الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط
.الاخْتَلَافُ فِي السَّلَمِ: قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي السَّلَمِ فَقَالَ: الطَّالِبُ شَرَطْتَ لِي جَيِّدًا وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ شَرَطْتُ لَكَ وَسَطًا أَوْ قَالَ: الطَّالِبُ أَسْلَمْتُ إلَيْكَ فِي حِنْطَةٍ وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ أَسْلَمْتَ إلَيَّ فِي شَعِيرٍ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا) وَحُكْمُ التَّحَالُفِ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» وَسَنُقَرِّرُ هَذَا فِي بَابِ التَّحَالُفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ الْآنَ إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَتَعَلَّقَ الْعَقْدِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالثَّمَنِ ثُمَّ لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا فَفِي جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْلَى وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الدَّيْنُ بِصِفَتِهِ فَالْجَيِّدُ مِنْهُ غَيْرُ الْوَسَطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ أُحْضِرَا كَانَا غَيْرَيْنِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الصِّفَةِ فِيمَا هُوَ دَيْنٌ يَكُونُ اخْتِلَافًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْعَيْنَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَتِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ اخْتِلَافًا بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَالَ: (وَاَلَّذِي يَبْدَأُ بِهِ فِي الْيَمِينِ الْمَطْلُوبِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ وَصَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ فَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُكْتَفَى بِيَمِينِهِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ فَيَبْقَى هَذَا الظَّاهِرُ مُعْتَبَرًا فِي الْبِدَايَةِ بِيَمِينِهِ وَلِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمُنْكِرِينَ فَإِنَّهُ يُنْكِرُ مَا ادَّعَاهُ الطَّالِبُ مِنْ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ لِنَفْسِهِ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: يَبْدَأُ بِيَمِينِ الطَّالِبِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ فِي عَقْدِ السَّلَمِ عَلَى الطَّالِبِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ فَلِذَلِكَ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ بِنُكُولِهِ يُثْبِتُ مَا ادَّعَاهُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ وَيَقَعُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ يَمِينِهِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَقُولُ الْقَاضِي يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ وَقِيلَ الرَّأْيُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي وَقِيلَ يُنْظَرُ أَيُّهُمَا سَبَقَ بِالدَّعْوَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ خَصْمِهِ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ نُكُولَهُ قَائِمٌ مَقَامَ إقْرَارَهُ وَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا جَمِيعًا بَيِّنَةٌ أُخِذَتْ بَيِّنَةُ الطَّالِبِ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِ زِيَادَةُ إثْبَاتٍ وَلِأَنَّهُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ فَالْمَطْلُوبُ إنَّمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقِّ الطَّالِبِ وَبَيِّنَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ افْتَرَقَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَقْضِي بِسَلَمَيْنِ عَشَرَةٌ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ بِبَيِّنَةِ رَبِّ السَّلَمِ وَعَشَرَةٌ فِي كُرِّ شَعِيرٍ بِبَيِّنَةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْبَيِّنَاتُ حُجَجٌ فَمَهْمَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ شَيْءٍ مِنْهَا وَهُنَا الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ يُمْكِنُ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا كَحُجَجِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّهُ مَا قُبِضَ فِي الْمَجْلِسِ إلَّا عَشَرَةً وَاحِدَةً فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالْعَقْدَيْنِ؛ فَلِهَذَا رَجَّحْنَا بَيِّنَةَ الطَّالِبِ وَقَاسَ هَذَا بِبَيْعِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ: الْمُشْتَرِي بِعْتَنِي الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ يَقْضِي بِالْعَقْدِ فِيهِمَا جَمِيعًا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ فِي السَّلَمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولَانِ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ فَالْقَضَاءُ بِالْعَقْدَيْنِ قَضَاءٌ بِمَا لَمْ يَطْلُبَا وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ يُقْرِرْهُ أَنَّهُ لَا مَقْصُودَ لِلْمَطْلُوبِ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ إثْبَاتًا لِأَنَّ حَقَّهُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ سَالَمَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ حِنْطَةً كَانَ أَوْ شَعِيرًا فَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ نَفْي بَيِّنَةِ الطَّالِبِ فَرَجَّحْنَا بَيِّنَةَ الطَّالِبِ لِلْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ فَالْبَائِعُ هُنَاكَ بِبَيِّنَتِهِ يُثْبِتُ إزَالَةَ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ لِيُسْقِطَ مُؤْنَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي فَكَانَ هُوَ مُثْبِتًا كَالْمُشْتَرِي فَلِهَذَا قَضَيْنَا بِالْعَقْدَيْنِ ثُمَّ نُصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَمِنْهُمْ مِنْ فَرَّقَ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: بِاخْتِلَافِهِمَا فِي الصِّفَةِ لَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ فِي الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يُسْلِمُ فِي الْجَيِّدِ وَيَأْخُذُ مَكَانَهُ رَدِيئًا وَيَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِي الرَّدِيءِ فَيُعْطِيَهُ مَكَانَهُ جَيِّدًا فَعَرَفْنَا أَنَّ بِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ لَا يَخْتَلِفُ الْعَقْدُ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ هُنَاكَ بِالْعَقْدَيْنِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَإِنَّ بِالسَّلَمِ بِالْحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الشَّعِيرِ فَكَانَ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الْعَقْدِ وَقَدْ أَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ادَّعَى مِنْ الْعَقْدِ بِالْبَيِّنَةِ فَيُقْضَى بِالْعَقْدَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَحَالَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ لِمَا فِي امْتِدَادِهَا مِنْ الْفَسَادِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِعَادَةِ رَأْسِ مَالِهِ إلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي بَابِ اللِّعَانِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ التَّلَاعُنِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهِمَا لِأَنَّ حُرْمَةَ الِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَا دَامَا مُصِرَّيْنِ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا يَتَوَقَّفُ التَّفْرِيقُ عَلَى طَلَبِهِمَا أَوْ طَلَبِ أَحَدِهِمَا وَهُنَا فَسْخُ الْعَقْدِ حَقُّهُمَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِمَا أَوْ طَلَبِ أَحَدِهِمَا قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَكِنْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْإِيفَاءِ) فَقَالَ: الطَّالِبُ شَرَطْتُ لِي مَكَانَ كَذَا وَكَذَا وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ بَلْ مَكَانُ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الطَّالِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ السَّلَمَ وَقِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى الْقَلْبِ فَإِنَّ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بَيَانَ مَكَانِ الْإِيفَاءِ شَرْطٌ كَالصِّفَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ بَلْ هُوَ زَائِدٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا: مُتَعَيَّنُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ مُوجَبُ الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلْإِيفَاءِ وَالِاخْتِلَافُ فِي مُوجَبِ الْعَقْدِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ مُوجَبٌ بِالشَّرْطِ كَالْأَجَلِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْمَالِيَّةَ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ الْمَالِيَّةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْقِيَاسُ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ تَرَكْنَا ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالتَّحَالُفِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا هُوَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْبَدَلُ فَأَمَّا الْمَكَانُ لَيْسَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَجَلِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَكَانِ تَسْلِيمِهِ بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ دَيْنًا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَتِهِ فَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ التَّحَالُفِ قَالَ: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ أَوْ فِي مُضِيِّ الْأَجَلِ أَوْ فِي أَصْلِ الْأَجَلِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ فَقَالَ: الطَّالِبُ كَانَ الْأَجَلُ شَهْرًا وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ شَهْرَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ الطَّالِبِ فَإِنَّ بِاعْتِبَارِهِ تَتَأَخَّرُ مُطَالَبَتُهُ عَنْهُ فَالْمَطْلُوبُ يَدَّعِي زِيَادَةً فِي حَقِّهِ وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَقَالَ: الطَّالِبُ كَانَ الْأَجَلُ شَهْرًا وَقَدْ مَضَى وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ إنَّمَا عَقَدْنَا الْعَقْدَ الْيَوْمَ وَالْأَجَلُ شَهْرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ إمَّا لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا فِي الْعَقْدِ وَالْمَطْلُوبَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ أَوْ لِأَنَّهُمَا تَصَادَفَا عَلَى ثُبُوتِ الْأَجَلِ حَقًّا لِلْمَطْلُوبِ ثُمَّ الطَّالِبُ يَدَّعِي إيفَاءَ حَقِّهِ وَالْمَطْلُوبُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْأَجَلِ وَذَلِكَ بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ قِيَامَ الْأَجَلِ فِي الْحَالِ وَالطَّالِبُ يَنْفِي ذَلِكَ بِبَيِّنَتِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْ وَجْهٍ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْمُودِعِ إذَا ادَّعَى الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِإِثْبَاتِهِ الرَّدِّ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِ الْأَجَلِ فَفِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ شَرْطَ الْأَجَلِ وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فَمَنْ يُنْكِرُ الْأَجَلَ فَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْعَقْدِ فِي الْمَعْنَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ شَرْطٌ زَائِدٌ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِيهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهُ كَالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْأَجَلَ أَيُّهُمَا كَانَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: إذَا كَانَ الطَّالِبُ يَدَّعِي الْأَجَلَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي الْأَجَلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ لِإِنْكَارِهِ قِيَاسًا لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ الطَّالِبِ فَإِذَا ادَّعَاهُ الْمَطْلُوبُ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ فَكِلَاهُمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَذَا ادَّعَى الطَّالِبُ الْأَجَلَ فَكَلَامُ الْمَطْلُوبِ فِي الْإِنْكَارِ تَعَنُّتٌ لِأَنَّ الطَّالِبَ أَقَرَّ لَهُ بِحَقِّهِ وَهُوَ أَنْكَرَ ذَلِكَ لِيُفْسِدَ الْعَقْدَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُتَعَنَّتِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ فَقَالَ: رَبُّ الْمَالِ شَرَطْتُ لَكَ نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةً وَقَالَ: الْمُضَارِبُ بَلْ شَرَطْتَ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَلَوْ قَالَ: رَبُّ الْمَالِ شَرَطْتُ لَكَ نِصْفَ الرِّبْحِ وَقَالَ: الْمُضَارِبُ إلَّا عَشَرَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِيُفْسِدَ الْعَقْدَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْأَجَلُ مِنْ شَرَائِطِ السَّلَمِ فَاتِّفَاقُهُمَا عَلَى عَقْدِ السَّلَمِ يَكُونُ اتِّفَاقًا عَلَى شَرَائِطِهِ فَكَانَ الْمُنْكَرُ مِنْهُمَا لِلْأَجَلِ رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَوْ وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ كَانَ بِشُهُودِ أَوْ بِغَيْرِ شُهُودٍ يَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ مِنْ يَدَّعِي أَنَّ النِّكَاحَ بِشُهُودِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ تَبَعٌ لَهُ ثُبُوتُ التَّبَعِ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ نَذَرَ صَلَاةً تَلْزَمُهُ الطَّهَارَةُ فَاتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَصْلِ الْعَقْدِ يَكُونُ اتِّفَاقًا عَلَى مَا هُوَ مِنْ شَرَائِطِهِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مِنْ يُثْبِتُ الْأَجَلَ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهِ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْد إذْ الْأَجَلُ شَرْطٌ زَائِدٌ كَالْخِيَارِ فَمَنْ يُثْبِتُهُ بِالْبَيِّنَةِ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ أُولَى بِالْقَبُولِ.قَالَ: (وَإِذَا تَتَارَكَا السَّلَمَ بَعْدَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الطَّالِبِ) لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ بِبَيِّنَتِهِ وَالْمَطْلُوبُ يُنْكِرُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا هُنَاكَ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ تَحَالَفَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّحَالُفِ الْفَسْخُ وَالْإِقَالَةُ كَالْبَيْعِ فِي احْتِمَالِ الْفَسْخِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ تَنْفَسِخُ الْإِقَالَةُ وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَرُدُّهُ بِذَلِكَ وَإِقَالَةُ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ حَتَّى لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا لَمْ تَنْفَسِخُ الْإِقَالَةُ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَا بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ وَبِالْإِقَالَةِ يَسْقُطُ وَالسَّاقِطُ مُتَلَاشِي فَلَا يُتَصَوَّرُ فَسْخُ السَّبَبِ فِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ وُجُوبُهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَبِدُونِ بَقَاءِ مَا تَتَنَاوَلُهُ الْإِقَالَةُ لَا يُتَصَوَّرُ فَسْخُ الْإِقَالَةِ وَهُنَاكَ الْعَقْدُ تَنَاوَلَ الْعَيْنَ وَهُوَ بَاقِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إلَى رَجُلٍ فِي طَعَامٍ فَوَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا زَائِفًا بَعْدَ مَا افْتَرَقَا فَأَنْكَرَ رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْجِيَادِ وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُشْتَرِيَ إذَا طَعَنَ بِعَيْبٍ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ مَا أَحْضَرَهُ هُوَ الْمَبِيعُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ الْعَيْنَ وَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى قَبْضِ الْمُشْتَرِي لِمَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ حَقَّ الرَّدِّ وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ وَهُنَا حَقُّ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ يَثْبُتْ فِي الْجِيَادِ دَيْنًا وَهُوَ مُنْكِرٌ لِقَبْضِ الْحِيَادِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِاسْتِيفَاءِ الْجِيَادِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ كَانَ سَاكِتًا أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ فَاسْمُ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُ الْجِيَادَ وَالزُّيُوفَ فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا كَانَ هُوَ فِي دَعْوَى الزِّيَافَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَاقِضًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي طَعَامٍ وَأَعْطَاهُ بَعْضَهَا وَأَحَالَهُ عَلَى رَجُلٍ بِبَعْضِهَا وَبَقِيَ عِنْدَهُ بَعْضُهَا ثُمَّ تَفَرَّقَا فَلَهُ مِنْ السَّلَمِ بِحِسَابِ مَا نَقَدَهُ وَقَدْ بَطَلَ مَا سِوَى ذَلِكَ) لِافْتِرَاقِهِمَا قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّهُ بِالْحَوَالَةِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بَلْ حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَقَدْ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَقَدْ بَطَلَ حَقُّ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ حِينَ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ لِذَلِكَ وَيَرْجِعُ رَبُّ السَّلَمِ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي أَحَالَهُ بِهَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ يُرِيدُ بِهِ إنَّ ذَلِكَ كَانَ دَيْنًا لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ كَمَا كَانَ قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ الْحَيَوَانَ وَلَا مَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فِيمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ) لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مُعَجَّلٌ فِي هَذَا الْعَقْدِ يَجُوزُ تَعَيُّنُهُ فَكُلُّ مَا يَصْلُحُ مَبِيعًا عَيْنًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَمُ عِنْدَ انْعِدَامِ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ الْجِنْسِيَّةِ وَالْقَدْرِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ قَالَ: وَيُسْلِمُ الثَّوْبَ الْفَوْهِيَّ فِي الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الثِّيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالصَّنْعَةِ يُسْلَمُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَكَذَلِكَ الزُّطِّيُّ فِي الْهَرَوِيِّ وَالْكَسَا فِي الطَّيْلَسَانِ وَالطَّيْلَسَانُ فِي الْكَسَا وَالثَّوْبُ مِنْ الْكَتَّانِ فِي الثَّوْبِ مِنْ الْقُطْنِ إمَّا لِاخْتِلَافِ الْأُصُولِ أَوْ لِاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ تَبْدِيلَ الِاسْمِ وَالْمَقْصُودِ وَالْوَذَارِيُّ يُرَادُ بِهِ مَا لَا يُرَادُ بِهِ الْبَلَدِيُّ وَالزَّنْدِيجِيُّ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْكُلِّ وَاحِدًا وَهُوَ الْقُطْنُ وَهُوَ كالسَّعْلاطَوِيِّ مَعَ الْخِمَارِ الْأَسْوَدِ جِنْسَانِ وَإِنْ اتَّحَدَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْإِبْرَيْسَمُ وَالْيَعْفُورِيُّ مَعَ الْكَسَا جِنْسَانِ وَإِنْ اتَّحَدَ الْأَصْلُ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ يَجُوزُ إسْلَامُ الْبَعْضِ فِي الْبَعْضِ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْقَزِّ وَالِإِبْرَيْسَمِ) لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَعْلُومٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ السَّلَمَ فِي مَدِينَةِ كَذَا وَفِي مِصْرِ كَذَا فَحَيْثُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ أَوْ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِرَبِّ السَّلَمِ أَنْ يُكَلِّفَهُ تَسْلِيمَهُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالشَّرْطِ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ كَمَا بَيَّنَّا فِي شَرْطِ الْجَيِّدِ فَحَيْثُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ فَقَدْ وَفَّى بِالشَّرْطِ وَلِأَنَّ نَوَاحِيَ الْمِصْرِ فِي الْمِصْرِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ عَقْدِ السَّلَمِ فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعًا مِنْ الْمِصْرِ كَانَ لَهُ أَنْ يُسْلِمَ فِي أَيْ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهُ فَإِنْ (قِيلَ) أَلَيْسَ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مِصْرَ كَذَا فَدَخَلَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَبَلَّغَ عَلَيْهَا إلَى مَنْزِلِهِ فِي الْمِصْرِ (قُلْنَا) هَذَا مُسْتَحْسَنٌ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا يَسْتَأْجِرُ دَابَّةً أُخْرَى بَعْدَ دُخُولِ ذَلِكَ الْمِصْرِ لِيَتَبَلَّغَ عَلَيْهَا إلَى مَنْزِلَةٍ فَالْمُسْتَحْسَنُ مِنْ الْقِيَاسِ بِالْعُرْفِ لَا يَرُدُّ نَقْضًا عَلَى الْقِيَاسِ وَلَا يَعْدُو الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْعُرْفُ قَالَ: (وَلَا خِيَارَ فِي السَّلَمِ فِي الْمُسَابِقِ وَالْفِرَا) لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ مِنْهَا الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ وَالْمُسْبَقُ مَا لَهُ كُمَّانِ طَوِيلَانِ كَمَا يَكُونُ لِلْأَكْرَادِ وَبَعْضِ الْعَرَبِ وَالْفَرْوُ مَا لَا كُمَّ لَهُ قَالَ: (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مَعْرُوفَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالتَّقْطِيعِ وَالصِّفَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ) لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ قَالَ: (وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي كُلِّ شَيْءٍ اُشْتُرِطَ فِيهِ الْأَوْقَارُ وَالْأَحْمَالُ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فَبَعْضُهَا يَكُونُ أَثْقَلَ مِنْ بَعْضٍ وَهَذِهِ الْجَهَلَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا قَالَ: (وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يُحْمَلَ السَّلَمُ إلَى مَنْزِلِ صَاحِبِ السَّلَمِ بَعْدَ مَا يُوفِيهِ إيَّاهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي شَرَطَهُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْتَهِي بِالْإِيفَاءِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ ثُمَّ قَدْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْحَمْلُ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَطْحَنَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ إيَّاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ فِيهِ مِثْلُ الْأَوَّلِ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَقُولُ مَوْضِعُ هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إذَا اشْتَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ بَعْدَ مَا يُوفِيهِ فِي مَكَانِ كَذَا لِيَكُونَ الْفَصْلُ الثَّانِي عَلَى وَزَانِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِاشْتِرَاطِهِ مَنْفَعَةً لِنَفْسِهِ بَعْدَ مَا انْتَهَى الْعَقْدُ نِهَايَتَهُ إذْ لَا يَتَأَتَّى إيفَاؤُهُ فِي مَنْزِلِهِ بَعْدَ الْإِيفَاءِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ إلَّا بِالْحَمْلِ فَلَفْظُ الْحَمْلِ وَالْإِيفَاءِ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ قَالَ: (إنْ اشْتَرَطَ بِلَفْظِهِ الْإِيفَاءَ فَالثَّانِي مِثْلُ الْأَوَّلِ مِنْ جِنْسِهِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَطَ ابْتِدَاءَ هَذَا) فَأَمَّا الْحَمْلُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْإِيفَاءِ فَلَا يَنْفَسِخُ بِهِ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِالْفَيْنِ انْفَسَخَ بِهِ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَلَوْ وَهَبَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ بِهِ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَبَيَانُ الْمُجَانَسَةِ أَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْإِيفَاءَ لَا مَحَالَةَ وَلَا يَقْتَضِي الْحَمْلَ أَلَا تَرَى أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ قَدْ يَأْتِي إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِيُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَمْلِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْإِيفَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَخْلُو مِنْهُ وَقِيلَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ ابْتِدَاءً أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مَنْزِلَهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَنْزِلُهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَقَدْ يَكُونُ فِي هَذَا الْمِصْرِ وَقَدْ يَكُونُ فِي مِصْرٍ آخَرَ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بِاسْتِبْدَالِ الْمَنْزِلِ بِالْمَنْزِلِ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَوْ الِانْتِقَالِ مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْمِصْرِ لِلتَّوَطُّنِ وَمَنْزِلِهِ لِلْحَالِ مَعْلُومٌ فَبِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ يَكُونُ هَذَا مَنْزِلَهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَالتَّعَيُّنِ بِالْعُرْفِ كَالتَّعْيِينِ بِالنَّصِّ وَقِيلَ بَلْ مَوْضِعُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَلَا يَعْلَمُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مَنْزِلَهُ فِي الْمِصْرِ فِي أَيِّ مَحَلَّةٍ هُوَ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لِأَنَّ نَوَاحِيَ الْمِصْرِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْحَمْلِ أَوْ بِلَفْظِ الْإِيفَاءِ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ: نَأْخُذُ بِالْحَمْلِ فِي الْقِيَاسِ وَفِي هَذَا بِالِاسْتِحْسَانِ فَعَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ.قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ بِالْجُبْنِ وَالْمَصْلِ) لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَعْلُومٌ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَقُولُونَ هَذَا فِي مَصْلِ دِيَارِ خُوَارِزْمَ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِطُهُ الدَّقِيقَ فَإِنَّا فِي مَصْلِ دِيَارِنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ يُخَالِطُهُ دَقِيقُ الشَّعِيرِ وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ وَقَدْ يَكْثُرُ وَبِجِنْسِهِ تَخْتَلِفُ الْمَالِيَّةُ فَكَانَ قِيَاسُ السَّلَمِ فِي النَّاطِفِ الْمُمَوَّنِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَفَاوَتُ فَالسَّلَمُ صَحِيحٌ قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ: رَبُّ السَّلَمِ أَسْلَمْتُ إلَيْكَ فِي ثَوْبٍ يَهُودِيٍّ وَقَالَ: الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بَلْ هُوَ فِي زُطِّيٍّ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ) لِاخْتِلَافِهِمَا فِي جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الطَّالِبِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِسَلَمَيْنِ إذَا كَانَا فِي الْمَجْلِسِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ يَهُودِيٌّ غَيْرَ أَنَّ الطَّالِبَ قَالَ: هُوَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ فِي ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ فِي ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فِي الْقِيَاسِ يَتَحَالَفَانِ وَيُتَرَادَّانِ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَلَوْ كَانَ مَبِيعًا عَيْنًا وَاخْتَلَفَا فِي طُولِهِ وَعَرَضِهِ لَا يَتَحَالَفَانِ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ مِنْ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ فَكَذَلِكَ فِي السَّلَمِ وَهَذَا لِأَنَّ زِيَادَةَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِالشَّرْطِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ لَمْ يَتَحَالَفَا فَهَذَا مِثْلُهُ وَفِي الْقِيَاسِ الْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنٌ وَالذُّرْعَانُ لَا عَلَامَةَ فِي الْمَذْرُوعَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ فِي الْمَقْدُورَاتِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ تَحَالَفَا ثُمَّ أَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الذُّرْعَانَ صِفَةٌ وَلَكِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءُ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِيهِ تَحَالَفَا فَكَذَلِكَ فِي الذُّرْعَانِ وَنَأْخُذُ بِالْقِيَاسِ لِقُوَّةِ جَانِبِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانُ قِيَاسَانِ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَثَرُهُ أَقْوَى يُؤْخَذُ بِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي صِفَةِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ لِتَحَقُّقِ الْمُغَايِرَةِ بَيْنَهُمَا وَالْجَيِّدُ غَيْرُ الرَّدِيءِ إذَا كَانَ دَيْنًا وَلَا يَتَحَقَّقُ مِثْلُ تِلْكَ الْمُغَايِرَةِ هُنَا فَالطَّوِيلُ مِنْ الثَّوْبِ قَدْ يَصِيرُ قَصِيرًا بِقَطْعِ بَعْضِهِ وَالْقَصِيرُ قَدْ يُزَادُ فِيهِ فَيَصِيرُ طَوِيلًا فَلِهَذَا ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنَهُ قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي السَّلَمِ أَوْ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَمْ يَتَفَرَّقَا) فَالْحَاصِلُ إنَّ هَذِهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَقَالَ: الطَّالِبُ أَسْلَمْتُ إلَيْكَ هَذَا الثَّوْبَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ بَلْ هَذَا الثَّوْبَ الْآخَرَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالسَّلَمَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَيِّنَتِهِ يُثْبِتُ حَقَّهُ فَالطَّالِبُ يُثْبِتُ إزَالَةَ الثَّوْبِ بِاَلَّذِي عَيْنُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَالْمَطْلُوبُ يُثْبِتُ مِلْكَهُ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْعَقْدَيْنِ وَإِنْ قَالَ: الطَّالِبُ أَسْلَمْتُ إلَيْكَ هَذَا الثَّوْبَ وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ مَعَ هَذَا الثَّوْبِ الْآخَرِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعَقْدَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَالثَّوْبُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ جَمِيعَ رَأْسِ الْمَالِ فِي عَقْدٍ وَبَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي عَقْدٍ آخَرَ وَالْمَطْلُوبُ يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّهِ بِبَيِّنَتِهِ فَلِهَذَا قَضَيْنَا بِبَيِّنَتِهِ بِإِسْلَامِ الثَّوْبَيْنِ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ فَقَالَ: رَبُّ السَّلَمِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقَالَ: الْمُسْلَمُ إلَيْهِ دِينَارٌ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَلَا إشْكَالَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقْضِي بِالْعَقْدَيْنِ وَقِيلَ هَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا لِلدَّيْنِ بِالْعَيْنِ وَالدَّنَانِيرِ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: يُقْضَى بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَمَّا لَمْ يُثْبِتْ لِنَفْسِهِ شَيْئًا إذْ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِ فِيمَا فِي ذِمَّتِهِ وَحَقِّهِ فِي الْكُرِّ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِهِمَا وَالْمَطْلُوبُ يُثْبِتُ حَقَّهُ بِبَيِّنَتِهِ فَكَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَوْلَى وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ: الطَّالِبُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ عِشْرُونَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَقَدْ بَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا جَمِيعًا بِأَنْ قَالَ: رَبُّ السَّلَمِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي كُرَّيْ حِنْطَةٍ وَقَالَ: الْمُسْلَمُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ الزِّيَادَةِ فِي حَقِّهِ وَيَقْضِي بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إسْلَامُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فِي كُرَّيْ حِنْطَةٍ وَعِنْدِ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِعَقْدَيْنِ كَمَا شَهِدَ بِهِ كُلُّ فَرِيقٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِعَقْدَيْنِ مَا أَمْكَنَ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ يَشْتَغِلُ بِالتَّرْجِيحِ لِلضَّرُورَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي بِعَقْدٍ وَاحِدٍ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي بِعَقْدَيْنِ لِلضَّرُورَةِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ: (وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا فِي حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ وَلَمْ يُسَمِّ رَأْسَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الثَّوْبَ وَالْعَبْدَ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ فَلَا يَضُرُّ تَرْكُ تَسْمِيَةِ رَأْسِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَكِنْ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى كُرَّ حِنْطَةٍ وَكُرَّ شَعِيرٍ عَيْنًا بِثَوْبٍ وَاحِدٍ أَوْ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي تَخْصِيصِهِ بِشَيْءٍ بِأُولَى مِنْ الْآخَرِ قَالَ: (وَإِذَا بَاعَ جَارِيَةً بِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ أَوْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ كَانَ لَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ) لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَمُطْلَقُ الْعَطْفِ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ قَالَ: أَلْفُ مِثْقَالٍ فَعَلَيْهِ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَخَمْسُمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْمَثَاقِيلَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ قَالَ: أَلْفٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَعَلَيْهِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ بِالْمَثَاقِيلِ وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي وَزْنِ الدَّرَاهِمِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَكُلُّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ يَصْلُحُ ذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي حُكْمِ الْأَمْوَالِ أَوْ بِالْعَقْدِ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْمَالِيَّةِ حَتَّى لَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِيهِ فِي الذِّمَّةِ لَا حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَيَثْبُتُ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَالثِّيَابُ الْمَرْصُوفَةُ فِيهِ تَثْبُتُ مُؤَجَّلَةً لَا حَالَّةً لِأَنَّ اسْتِقْرَاضَ الثِّيَابِ لَا يَجُوزُ وَالسَّلَمُ فِيهَا صَحِيحٌ وَالْقَرْضُ لَا يَكُونُ إلَّا حَالًّا وَالسَّلَمُ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا فَعَرَفْنَا أَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلَةً لَا حَالَّةً لِأَنَّ اسْتِقْرَاضَ الثِّيَابِ لَا يَجُوزُ عِوَضًا عَمَّا هُوَ مَالٌ وَأَمَّا الْحَيَوَانُ لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَلَا السَّلَمُ فِيهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلًا وَلَا حَالًّا بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ.قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي عِشْرِينَ مَخْتُومَ شَعِيرٍ أَوْ عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ بِالشَّكِّ أَنَّهُ يُعْطِيهِ أَيَّهُمَا شَاءَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَهُوَ مَجْهُولٌ حِينَ أَدْخَلَ حَرْفَ أَوْ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ يَمْتَنِعُ جَوَازُ الْعَقْدِ فَفِي السَّلَمِ أَوْلَى وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتَنِي إلَى شَهْرٍ فَكَذَا أَوْ إنْ أَعْطَيْتَنِي إلَى شَهْرَيْنِ فَكَذَا فَهُوَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ إمَّا جِنْسًا وَإِمَّا قَدْرًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ هَذَا وَنَحْوُهُ قَالَ: (وَلَا يَسْتَطِيعُ رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَبِيعَ مَا أَسْلَمَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضْ» وَلَمَّا بَعَثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِيَاثَ بْنَ أَسَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَاضِيًا وَأَمِيرًا قَالَ: «انْهَهُمْ عَنْ أَرْبَعَةٍ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوا وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» وَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَقْبَلُ لِلتَّصَرُّفِ مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ الْمَبِيعُ الْعَيْنُ إذَا كَانَ مَنْقُولًا لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِبَقَاءِ الْغَرَرِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ فَإِذَا كَانَ دَيْنًا أَوْلَى وَذَلِكَ الْغَرَرُ هُنَا قَائِمٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ يُنْوَى بِفَوَاتِ مَحِلِّهِ يَعْنِي إذَا مَاتَ الْمَدْيُونُ مُفْلِسًا وَلِهَذَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ فَكَمَا لَا يَبِيعُ الْمُسْلَمُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُشْرِكُ فِيهِ شَرِيكًا وَلَا يُوَلِّيهِ أَحَدًا لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ تَمْلِيكُ مَا يُمْلَكُ بِمِثْلِ مَا مُلِكَ بِهِ وَالْإِشْرَاكُ تَمْلِيكُ مِثْلِ مَا مَلَكَهُ بِمِثْلِ نِصْفِ مَا مَلَكَ بِهِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ هَذَا التَّصَرُّفُ مِنْهُ فِي الْكُلِّ لَا يَجُوزُ مِنْهُ فِي الْبَعْضِ قَالَ: (رَجُلٌ قَالَ: لِرَجُلِ أَسْلَمْتَ إلَيَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ قَالَ: بَعْدَ مَا سَكَتَ وَلَكَنَّى لَمْ أَقْبِضْ الدَّرَاهِمَ مِنْكَ وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ بَلْ قَبَضْتَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ) وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا.وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ السَّلَمَ اسْمٌ لِلْعَقْدِ وَإِقْرَارُهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ كَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: ابْتَعْتُ مِنْكَ كَذَا ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَقْبِضْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْقَبْضِ وَالْآخَرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّسْلِيمَ فَجُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ فَكَذَا فِي السَّلَمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: ذَلِكَ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ صَارَ بِالْإِقْرَارِ بِالسَّلَمِ مُقِرًّا بِالْقَبْضِ لَكَانَ هَذَا رُجُوعًا وَالرُّجُوعُ لَا يَعْمَلُ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: السَّلَمُ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ فَمُطْلَقُهُ يَقْتَضِي الْإِقْرَارَ بِالْعَقْدِ وَالْقَبْضِ جَمِيعًا فَكَانَ قَوْلُهُ لَمْ أَقْبِضْهُ بَيَانًا فِيهِ تَغْيِيرٌ لِمُقْتَضَى مُطْلَقِ كَلَامِهِ وَالْبَيَانُ الْمُغَيِّرُ لِلَفْظِهِ صَحِيحٌ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ لَا مَفْصُولًا وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلَفْظِهِ الْعَامِّ وَالتَّخْصِيصُ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ الْإِبْطَالَ صَحِيحٌ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ قَالَ: فِي الْأَصْلِ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ قَدْ أَعْطَيْتَنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ أَسْلَفْتَنِي أَوْ أَقْرَضْتَنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِرُءُوسِهَا ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَقْبِضْ وَالْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْكُلِّ وَلَكِنْ مِنْ عَادَتِهِ الِاسْتِشْهَادُ بِالْأَوْضَحِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ بِعْتَنِيهَا ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَقْبِضْهَا وَقَالَ: الْآخَرُ قَدْ قَبَضْتُ فَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَقْبِضْهَا وَصَلَ أَمْ قَطَعَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا إنْ وَصَلَ يُصَدَّقُ وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: إذَا فَصَلَ يُسْأَلُ الْمُقِرُّ لَهُ عَنْ جِهَةِ الْمَالِ فَإِنْ أَقَرَّ بِجِهَةِ الْبَيْعِ وَقَالَ: قَدْ قَبَضْتُهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إنِّي لَمْ أَقْبِضْهَا وَإِنْ قَالَ: الْمَالُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْمُقِرِّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِرُجُوعٍ بَلْ تَفْسِيرٌ لِمَا أَبْهَمَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى الْبَيْعِ فَالْبَائِعُ يَدَّعِي تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمُشْتَرِي مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ كَمَا لَوْ قَالَ: ابْتَعْتُ مِنْكَ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَقْبِضْهَا أَوْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي بِعْتَهَا مِنِّي وَلَمْ أَقْبِضْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُقِرُّ لَهُ فِي الْجِهَةِ فَقَدْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطْهُ فَلَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ مَفْصُولًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ أَقْبِضْهَا بَيَانٌ مُغَيِّرٌ لِمُوجَبِ إقْرَارِهِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا كَالِاسْتِثْنَاءِ إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةً أَوْ قَالَ: إلَّا وَزْنَ خَمْسَةٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ ثُمَّ رَجَعَ وَالرُّجُوعُ بَاطِلٌ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِ الْمَالِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُ جَارِيَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَثَمَنُ الْجَارِيَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ لَا يَكُونُ وَاجِبًا إلَّا بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ ثُمَّ رَجَعَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ ابْتَعْتُ فَهُنَالِكَ مَا أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَالَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهِ إنَّمَا أَقَرَّ بِالِابْتِيَاعِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ ثَمَنُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِمُقَابَلَةِ جَارِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْمُعَيَّنَةِ يَكُونُ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَبْضِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمَالِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ أَجَلًا غَيْرَ مُتَنَاهٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ إحْضَارِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ وَمَا مِنْ جَارِيَةٍ يُحْضِرُهَا الْبَائِعُ إلَّا وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ الْمَبِيعَةُ غَيْرُهَا وَلَوْ ادَّعَى لِنَفْسِهِ أَجَلًا مَعْلُومًا كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ فَهُنَا أَوْلَى بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّ هُنَاكَ مَا ادَّعَى لِنَفْسِهِ أَجَلًا لِأَنَّهَا حَاضِرَةٌ وَإِنَّمَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَالِ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ تِلْكَ الْجَارِيَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُقِرَّ لَهُ لَوْ قَالَ: الْجَارِيَةُ جَارِيَتُكَ مَا بِعْتَهَا وَلِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَلَوْ قَالَ: الْجَارِيَةُ جَارِيَتِي وَلِي عَلَيْكَ الْمَالُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ لَهُ شَرْطَهُ قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَأَعْطَاهُ كُرًّا بِغَيْرِ كَيْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يَأْكُلَهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ رَبُّ السَّلَمِ بِذِكْرِ الْكُرِّ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ حَتَّى يَكْتَالَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» يَعْنِي إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِكَيْلِ الْبَائِعِ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ حَتَّى يَكِيلَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْقَدْرُ الْمُسَمَّى وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالْكَيْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَالَهُ فَوَجَدَهُ أَزْيَدَ يَلْزَمُهُ رَدُّ الزِّيَادَةِ وَتَصْرِفُهُ مِنْ حَيْثُ الْأَكْلُ وَالْبَيْعُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مِلْكُهُ بِمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَإِنْ هَلَكَ عِنْدَهُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ كُرٌّ وَافٍ فَهُوَ مُسْتَوْفٍ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ بِعَقْدِ السَّلَمِ فَيَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ وَقَدْ هَلَكَ عِنْدَهُ فَيَلْزَمُهُ مِثْلُهُ وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ كُرًّا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّ مَا فِي الْمُقَاصَّةِ آخِرُ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءً عَنْ أَوَّلِهِمَا وَآخِرُهُ دَيْنُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَيَصِيرُ رَبُّ السَّلَمِ مُقْتَضِيًا طَعَامَ السَّلَمِ بِهِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ تَلَاقِي الْعَيْنِ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْعَيْنِ فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ كُرًّا فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ بِقَبْضِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ فَأَمَّا فِي الْمَذْرُوعَاتِ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ قَبْلَ الذَّرْعِ لِأَنَّ الذَّرْعَ صِفَةٌ حَتَّى لَوْ وَجَدُوهُ أَزْيَدَ يُسْلِمُ لَهُ الزِّيَادَةَ وَلَوْ وَجَدَهُ أَنْقَصَ لَا يَحُطُّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعَقْدِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ فِي الْعَيْنِ وَقَدْ تَمَّ قَبْضُهُ فِي الْعَيْنِ وَفِي الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ قَبْلَ الْعَدِّ فِي الْعَدَدِيَّاتِ مِقْدَارٌ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ زَائِدًا لَا يُسْلِمُ لَهُ الزِّيَادَةَ وَلَوْ وَجَدَهُ أَنْقَصَ يَحُطُّ حِصَّةَ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَوَّزَ التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ الْعَدِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ بِصِفَةِ الْعَدَدِ لَا يَصِيرُ مَالُ الرِّبَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الذَّرْعِ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ لَا يَتَحَقَّقَانِ فِيهِ إلَّا بِغَلَطٍ فِي الْعَدَدِ بِخِلَافِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ هُنَاكَ يَظْهَرَانِ بِاجْتِهَادٍ مِنْ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَيَقَّنَ بِالْخَطَأِ فِيهِ وَهُنَا الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ لَا يَظْهَرَانِ إلَّا بِغَلَطٍ فِي الْعَدِّ فَكَانَ الْعَقْدُ مُتَنَاوِلًا لِلْعَيْنِ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْعَدِّ كَمَا فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَقْصُودَ عَلَيْهِ فِي الْعَدَدِيَّاتِ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ مِقْدَارٌ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ أَزِيدُ لَا يُسْلِمُ لَهُ الزِّيَادَةَ وَلَوْ وَجَدَهُ أَنْقَصَ يَحُطُّ بِحِصَّةِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ فَصَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْقَدْرَ وَالْقَدْرُ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالْعَدِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ صَارَ عَدَدِيًّا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ لَا بِجَعْلِ الشَّرْعَ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً فَإِذَا بَاعَ جَوْزَةً بِجَوْزَتَيْنِ فَقَدْ أَعْرَضَا عَنْ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ وَمَا ثَبَتَ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ يَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمْ أَيْضًا بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَالَ: (وَإِنْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا ثُمَّ قَالَ: لِرَبِّ السَّلَمِ اقْبِضْهُ قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِرَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ فِي هَذَا الْقَبْضِ وَكِيلَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ لَوْ قَبْضَ بِنَفْسِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَكِيلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَهُ وَكِيلُهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتَالَهُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَكِيلُهُ ثَانِيًا لِلْقَبْضِ بِنَفْسِهِ بِحُكْمِ السَّلَمِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِكَيْلِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ نَائِبٌ عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَكَأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ السَّلَمِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ أَيْ إذَا تَلَقَّاهُ الْبَائِعُ مِنْ غَيْرِهِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَلَقَّاهُ غَيْرَهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي فَصْلٍ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى طَعَامًا مُكَايَلَةً فَكَالَهُ الْبَائِعُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِذَلِكَ الْكَيْلِ وَلَكِنَّهُ يَكِيلُهُ مَرَّةً أُخْرَى اسْتِدْلَالًا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكِيلُ الْبَائِعِ بِحَضْرَتِهِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ كَيْلِهِ بِنَفْسِهِ وَالْأَصَحُّ لَهُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِذَلِكَ الْكَيْلِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْكَيْلِ بِحُكْمِ عَقْدِهِ فَفَعَلَ الْبَائِعُ بِحَضْرَتِهِ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ وَفِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ اسْتِحْقَاقُ الْأَوَّلِ بِالْكَيْلِ كَانَ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَنُوبُ ذَلِكَ عَنْ الْكَيْلِ الْمُسْتَحَقِّ بِالسَّلَمِ فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْكَيْلُ مَرَّةً أُخْرَى فَإِنْ دَفَعَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ دَرَاهِمَ فَقَالَ: اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا فَاقْبِضْهُ لِي بِكَيْلٍ ثُمَّ كِلْهُ لِنَفْسِكَ بِكَيْلٍ مُسْتَقْبِلٍ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي الشِّرَاءِ لَهُ وَفِعْلُ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ رَبُّ السَّلَمِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ: كُلُّ مَا لِي عَلَيْكَ مِنْ الطَّعَامِ فَاعْزِلْهُ فِي بَيْتِكَ أَوْ فِي غَرَائِرِكَ فَفَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ رَبُّ السَّلَمِ قَابِضًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ اقْبِضْهُ لِي بِيَسَارِكَ مِنْ يَمِينِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَالْمَدْيُونُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَوْ وَكَّلَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِ ذَلِكَ غُلَامَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَوْ ابْنَهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ رَبِّ السَّلَمِ فِي قَبْضِ حَقِّهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَالْإِنْسَانُ يَصِيرُ قَابِضًا حَقَّهُ بِيَدِ نَائِبِهِ كَمَا يَصِيرُ قَابِضًا بِيَدِ نَفْسِهِ، قَالَ: (وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ غَرَائِرَهُ فَقَالَ: كُلُّ مَالِي عَلَيْكَ اجْعَلْهُ فِي غَرَائِرِي فَفَعَلَ ذَلِكَ وَرَبُّ السَّلَمِ لَيْسَ بِحَاضِرٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْضًا) وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَى مِنْهُ طَعَامًا بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّهُ كُرٌّ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ غَرَائِرَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ فِيهَا فَفَعَلَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّ الْقَبْضَ فِي بَابِ السَّلَمِ مُوجَبٌ بِمِلْكِ الْعَيْنِ وَغَرَائِرُهُ لَا تَصْلُحُ نَائِبَةً عَنْهُ فِي تَمْلِكْ الْعَيْنِ وَفِي بَابِ الشِّرَاءِ قَدْ مَلَكَ الْعَيْنَ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا الْقَبْضُ لِلْإِحْرَازِ وَالْغَرَائِرُ تَصْلُحُ نَائِبَةً عَنْهُ فِي الْإِحْرَازِ وَالثَّانِي أَنَّ أَمْرَهُ بِالْكَيْلِ فِي غَرَائِرِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِنَفْسِهِ فِي السَّلَمِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ إنَّمَا يَكِيلُ مِلْكَ نَفْسِهِ وَلَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وِلَايَةُ الْكَيْلِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ إذْنُهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَيْلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكِيلُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَلَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ إذْنٌ مُعْتَبَرٌ فَكَانَ كَيْلُهُ فِي غَرَائِرِهِ كَكَيْلِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بِأَنْ يَطْحَنَ مَا عَلَيْهِ مِنْ طَعَامِ السَّلَمِ فَفَعَلَ ذَلِكَ كَانَ الدَّقِيقُ لَهُ وَلَا يَكُونُ لِرَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَقْبِضَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مُسْتَبْدِلًا وَفِي الشِّرَاءِ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَطْحَنَهُ فَفَعَلَ جَازَ وَكَانَ الدَّقِيقُ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ جَازَ وَكَانَ الثَّمَنُ مُقَرَّرًا عَلَيْهِ وَلَوْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي السَّلَمِ لَمْ يَجُزْ ثَمَّ.قَالَ (فِي الشِّرَاءِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ إذَا كَانَ لَهُ الْبَائِعُ فِي غَرَائِرِ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ قَبْلَ هَذَا غَلَطَ) لِأَنَّ الْغَرَائِرَ نَائِبَةٌ عَنْهُ فِي الْأَحْرَازِ لَا فِي مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ حَتَّى يَكِيلَهُ وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَمْرَهُ إيَّاهُ بِالْكَيْلِ مُعْتَبَرٌ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ فَكَانَ الْبَائِعُ فِي الْكَيْلِ كَالنَّائِبِ عَنْهُ وَالْغَرَائِرُ فِي الْقَبْضِ وَالْإِحْرَازِ تَنُوبُ عَنْهُ وَفِعْلُ نَائِبِهِ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ وَفِي السَّلَمِ إنْ كَانَ فِي الْغَرَائِرِ طَعَامٌ لِرَبِّ السَّلَمِ فَكَالَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَمْرَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ قَالَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا هُنَا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِخَلْطِ طَعَامِ السَّلَمِ بِطَعَامِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ التَّمَيُّزُ مُعْتَبَرٌ فَيَصِيرُ بِهَذَا الْخَلْطِ قَابِضًا وَهُوَ مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لَوْ دَفَعَ إلَى صَائِغٍ نِصْفَ دِرْهَمِ فِضَّةٍ وَقَالَ: زِدْ مِنْ عِنْدِكَ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَصُغْ لِي مِنْهُمَا خَاتَمًا فَفَعَلَ ذَلِكَ جَازَ وَصَارَ بِالْخَلْطِ قَابِضًا لَهُ.قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَأَجَلُهُمَا وَاحِدٌ وَصِفَتُهُمَا وَاحِدَةٌ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا قِصَاصًا بِالْآخِرِ إذَا حَلَّا وَإِنْ تَقَاصَّا) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ فَيَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى بِهِ دَيْنٌ آخَرُ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِعَقْدِ السَّلَمِ قَبْضٌ بِكَيْلٍ بَعْدَ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِقَضَاءِ دَيْنٍ آخَرَ بِهِ فَإِذَا تَقَاصَّا مِنَّا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَابِضًا الْمُسْلَمَ فِيهِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، قَالَ: (فَإِنْ كَانَ أَوَّلُهُمَا مُسْلَمًا وَالْآخِرُ قَضَاءً لَا يَصِيرُ أَحَدُهُمَا قِصَاصًا فِي الْحَالِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقِصَاصَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُسَاوَاةِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَجَّلٌ وَالْآخَرَ مُؤَجَّلٌ وَالْمُعَجَّلُ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤَجَّلِ إلَّا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فِي السَّلَمِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ أَحَدُهُمَا قِصَاصًا بِالْآخَرِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ قِصَاصًا إذَا كَانَ سَوَاءً تَقَاصَّا أَوْ لَمْ يَتَقَاصَّا لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِكَيْلٍ بَعْد عَقْدِ السَّلَمِ وَهُوَ قَبْضُ الْمُسْتَقْرِضِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ لَوْ غَصَبَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرًّا بَعْدَ مَا حَلَّ طَعَامُ السَّلَمِ كَانَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَقْرَضَ وَهَذَا لِأَنَّ فِي بَابِ الْمُقَاصَّةِ آخِرُ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ مِنْ أَوَّلِهِمَا وَلَا يَكُونُ أَوَّلُ الدَّيِّنَيْنِ قَضَاءً عَنْ آخِرِهِمَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ وَلَا يَسْبِقُهُ وَلِهَذَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ لَوْ وَجَبَ لِلْمَدِينِ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دَيْنٌ بِقَدْرِ حِصَّةٍ وَصَارَ قِصَاصًا كَانَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ وَلَوْ كَانَ دَيْنُ الْمَدْيُونِ عَلَيْهِ سَابِقًا عَلَى دَيْنِهِمَا فَصَارَ قِصَاصًا لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ صَارَ بِنَصِيبِهِ قَابِضًا دَيْنًا عَلَيْهِ لَا مُقْتَضِيًا إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا كَانَ آخِرُ الدَّيْنَيْنِ قَرْضًا فَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِمَا أَوْجَبَ لَهُ مِنْ الْقَرْضِ يَصِيرُ قَاضِيًا طَعَامَ السَّلَمِ وَرَبُّ السَّلَمِ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا وَإِذَا كَانَ الْقَرْضُ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا وَإِنْ تَقَاضَيَا بِهِ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ يَصِيرُ قَاضِيًا بِطَعَامِ السَّلَمِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَرْضِ وَدَيْنُ السَّلَمِ يَجِبُ قَبْضُهُ وَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ دَيْنٍ آخَرَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرُّ حِنْطَةٍ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ أَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا فَقَالَ: لِصَاحِبِ السَّلَمِ كُلُّهُ فَاكْتَالَهُ رَبُّ السَّلَمِ كَيْلًا وَاحِدًا جَازَ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَيْلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُقْرِضَ لَوْ اسْتَرَدَّ مَا أَقْرَضَ وَلَمْ يَكِلْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَوْ قَبَضَ وَلَمْ يَكِلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَرَبُّ السَّلَمِ فِي الْقَبْضِ مِنْ الْمُقْرِضِ أَوْ الْمُسْتَقْرِضِ نَائِبٌ عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَكَمَا قَبَضَهُ تَمَّ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَكِيلَهُ ثُمَّ إنَّمَا يَكِيلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ السَّلَمِ فَلِهَذَا يَكْفِيهِ كَيْلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ لَمَّا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ لَا يَتَعَيَّنُ مِلْكُهُ إلَّا بِالْكَيْلِ فَكَانَ الْكَيْلُ الْأَوَّلُ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ كَتَعْيِينِ مِلْكِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكِيلَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَيْلًا مُسْتَقْبَلًا قَالَ: (وَإِنْ تَتَارَكَا السَّلَمَ وَرَأْسُ الْمَالِ ثَوْبٌ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) وَكَذَلِكَ لَوْ تَتَارَكَا بَعْدَ هَلَاكِهِ وَهَذِهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا بِدَرَاهِمَ فَتَقَابَضَا ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الرَّدِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا لِأَنَّ الْإِقَالَةَ رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُرْفَعُ الشَّيْءُ مِنْ الْمَحِلِّ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَمَحِلُّ الْعَقْدِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ فَإِنَّ الثَّمَنَ مَعْقُودٌ بِهِ وَلِهَذَا شَرَطَ قِيَامَ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ عِنْدَ الْعَقْدِ دُونَ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا عِنْدَ الْإِقَالَةِ فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ لِأَنَّ الْعَارِضَ مِنْ هَلَاكِ الْمَحِلِّ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْإِقَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَيُجْعَلُ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ (وَالثَّانِي) لَوْ تَبَايَعَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا بَقِيَتْ الْإِقَالَةُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ صَحِيحٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ قِيَامَ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ جَمِيعًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ فَسْخُ الْعَقْدِ بِرَدِّ الْآخَرِ بِالْعَيْبِ فَكَذَلِكَ بِالْإِقَالَةِ وَإِذَا جَازَ ابْتِدَاءُ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ تَبْقَى الْإِقَالَةُ فِي الْقَائِمِ وَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَةِ الْهَالِكِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْعَيْنِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فَتُرَدُّ الْقِيمَةُ إذْ الْقِيمَةُ سُمِّيَتْ قِيمَةً لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْعَيْنِ وَلَوْ هَلَكَا جَمِيعًا بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ التَّرَادِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِهِمَا بَاطِلٌ إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَكَذَلِكَ لَا تَبْقَى الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِهِمَا (وَالثَّالِثُ) السَّلَمُ إذَا تَقَايَلَا وَرَأْسُ الْمَالِ عَيْنٌ فَهَلَكَتْ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْإِقَالَةُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ صَحِيحٌ فَإِنَّ السَّلَمَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُقَابَضَةِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَجَازَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ مَا يُقَابِلُهُ وَإِذَا بَقِيَتْ الْإِقَالَةُ فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَةِ رَأْسِ الْمَالِ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ إذَا اخْتَلَفَا لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً وَهُوَ مُنْكِرٌ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ (وَالرَّابِعُ) الصَّرْفُ فَإِنَّهُمَا لَوْ تَصَارَفَا دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَتَقَابَضَا وَهَلَكَ الْبَدَلَانِ جَمِيعًا ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ هَلَكَ الْبَدَلَانِ قَبْلَ التَّرَادِّ جَازَتْ الْإِقَالَةُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا اسْتَوْجَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَا يَلْزَمُهُ رَدَّ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مِثْلَهُ فَلَا يَكُونُ هَلَاكُ الْمَقْبُوضِ مَانِعًا مِنْ الْإِقَالَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَعَ فِي الْأَصْلِ تَشْوِيشٌ وَتَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَأَلْفَاظٌ وَذَلِكَ كُلُّهُ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَقَدْ تَكَلَّفَ لِتَصْحِيحِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ: بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْقَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَيَا جَارِيَةً بِعَبْدٍ وَتَقَابَضَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي يَدَيْهِ ثُمَّ تَنَاقَضَا أَنَّهُ جَائِزٌ وَمَعْنَى هَذَا الِاسْتِشْهَادِ أَنَّ الْقَرْضَ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمْلِيكُ الطَّعَامِ بِمِثْلِهِ فَلَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مِنْ الْكَيْلِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ كَمَا أَنَّ الْإِقَالَةَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ لَيْسَ بِبَيْعٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَجُوزُ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً الْبَيْعُ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِقِيمَةِ جَارِيَةٍ هَالِكَةٍ لَا يَجُوزُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْحَيِّ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ يَعْنِي شِرَاءَ الْحَيِّ بِقِيمَةِ الْمَيِّتِ أَوْ شِرَاءَ الْحَيِّ بِالْحَيِّ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَكِنَّ هَذَا تَكَلُّفٌ وَلَا يَلِيقُ هَذَا اللَّفْظُ بِفَصَاحَةِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ شِرَاءَ الْحَيِّ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ السَّلَمُ لِأَنَّ السَّلَمَ بَيْعٌ يَعْنِي أَنَّ الْإِقَالَةَ بَعْدَ هَلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي بَيْعِ الْمُقَابَضَةِ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ قَالَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْأَثْمَانَ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ، يَعْنِي أَنَّ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِهِمَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَابَضَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ: الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ يَعْنِي إذَا اشْتَرَيَا عَيْنًا بِنَقْدٍ ثُمَّ تَقَايَلَا فَهَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَرْقَ قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَوَجَدَ فِيهَا دَرَاهِمَ سَتُّوقَةً فَجَاءَ يَرُدُّهَا فَقَالَ: الْمُسْلَمُ إلَيْهِ هَذَا مِنْ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ وَقَدْ بَطَلَ نِصْفُ السَّلَمِ وَقَالَ: رَبُّ السَّلَمِ بَلْ هُوَ ثُلُثُ رَأْسِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ) لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُسْلَمَ لَمْ يَتِمَّ فِي جَمِيعِ الْكُرِّ وَحَاصِلُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي قَبْضِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِقْدَارُ حَقِّهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَرَبُّ السَّلَمِ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَ ثُلُثَيْ حَقِّهِ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ يُنْكِرُ الْقَبْضَ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُدَّعِي أَنْ يُثْبِتَ مَا يَدَّعِيهِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِذَا أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَأَقَامَ رَبُّ السَّلَمِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ وَأَقَامَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا فَالسَّلَمُ جَائِزٌ وَيُؤْخَذُ بَيِّنَةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ وَبَيِّنَةُ رَبِّ السَّلَمِ تَنْفِي ذَلِكَ وَالْبَيِّنَاتُ تَتَرَجَّحُ بِالْإِثْبَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مِنْ يَكُونُ؟ وَأُورِدَ هَذَا فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ: عَلَى قَوْلِ زُفَرَ الْقَوْلُ قَوْلُ مِنْ يَدَّعِي الْقَبْضَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فَكَانَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ اتِّفَاقًا مِنْهُمَا عَلَى قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَاَلَّذِي يُنْكِرُ الْقَبْضَ فِي حُكْمِ الرَّاجِعِ عَنْ الْإِقْرَارِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَجَلِ فَكَذَلِكَ فِي قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي فِي يَدِهِ رَأْسُ الْمَالِ لِأَنَّ الْآخَرَ يَدَّعِي تَمَلُّكَ مَا فِي يَدِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي يَدِ رَبِّ السَّلَمِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يَدَّعِي أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ بِالْقَبْضِ وَأَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَرَبُّ السَّلَمِ يَدَّعِي أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ لِذَلِكَ فَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي يَدِ رَبِّ السَّلَمِ بِأَعْيَانِهَا فَقَالَ: الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَوْدَعْتُهَا إيَّاهُ أَوْ غَصَبَهَا بَعْدَ قَبْضِي لَهَا وَقَدْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيُقْضَى لَهُ بِالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ قَبْضَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَقَدْ تَمَّ مِلْكُهُ فِيهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُؤْمَرُ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ زَعَمَ أَنَّ وُصُولَهَا إلَى يَدِهِ الْوَدِيعَةِ أَوْ بِالْغَصْبِ وَلَوْ أَسْلَمَ فُلُوسًا فِي طَعَامٍ يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا عَدَدِيٌّ مُتَقَارِبٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي بَابِ الْبَيْعِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ فِي بَابِ السَّلَمِ وَلَا يَجُوزُ فِي الصُّفْرِ رَجُلٌ بَاعَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا بِشَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِأَنَّهُمَا تَفَرَّقَا عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي وَتَفَرَّقَا أَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقِيَاسَ فِي السَّلَمِ هَكَذَا وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ هُنَاكَ لِمُقْتَضَى اسْمِ السَّلَمِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْفَرْقِ فَقَالَ: لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا بِحِنْطَةٍ وَسَمَّى الْكَيْلَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَجَلًا كَانَ جَائِزًا وَلَوْ أَسْلَمَ هَذَا الثَّوْبُ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ مَوْصُوفَةٍ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَجَلًا كَانَ فَاسِدًا وَمَعْنَى هَذَا الِاسْتِشْهَادِ أَنَّ التَّأْجِيلَ فِي السَّلَمِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ جُعِلَ شَرْطًا لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الِاسْمِ فَكَذَلِكَ التَّعْجِيلُ فِي رَأْسِ الْمَالِ مُقْتَضَى الِاسْمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ جَوَازَ أَخْذِ الرَّهْنِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنْ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّاهِنِ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِحَقِّهِ فَسَقَطَ حَقُّ رَبِّ السَّلَمِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَيْضًا جَوَازَ التَّوْكِيلِ بِدَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ وَأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ الْوَكِيلِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْوَكِيلُ شَرِيكًا لِرَبِّ السَّلَمِ أَوْ أَجْنَبِيًّا لِأَنَّ أَدَاءَهُ قَامَ مَقَامَ أَدَاءِ الْمُوَكِّلِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ إذَا قَبَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِأَدَاءِ رَأْسِ الْمَالِ وَقَبَضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ رَبَّ السَّلَمِ كَانَ جَائِزًا.وَإِنْ كَانَ بِالْمُسْلَمِ كَفِيلٌ فَاسْتَوْفَى الْكَفِيلُ السَّلَمَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ ثُمَّ بَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ فَذَلِكَ حَلَالٌ لَهُ إذَا قَضَى رَبَّ السَّلَمِ طَعَامًا مِثْلَهُ لِأَنَّ عَقْدَ الْكَفَالَةِ كَمَا يُوجِبُ لِرَبِّ السَّلَمِ عَلَى الْكَفِيلِ يُوجِبُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ مَالَ الْكَفِيلِ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مُؤَجَّلٌ إلَى وَقْتِ أَدَائِهِ الطَّعَامَ إلَى رَبِّ السَّلَمِ فَإِذَا اسْتَوْفَى قَبْلَ الْأَجَلِ فَقَدْ اسْتَعْجَلَ دَيْنًا لَهُ مُؤَجَّلًا وَالْمَقْبُوضُ بِهَذَا السَّبَبِ يَمْلِكُ مِلْكًا صَحِيحًا فَإِنَّمَا تَصَرُّفٌ وَرِبْحٌ فِي مِلْكٍ حَلَالٍ لَهُ فَلِهَذَا طَابَ لَهُ الرِّبْحُ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إذَا تَقَرَّرَ مِلْكُهُ بِأَدَاءِ طَعَامِ السَّلَمِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّلَمُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي قَضَى رَبُّ السَّلَمِ طَعَامَ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِطَعَامٍ مِثْلِ مَا دَفَعَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ فِي ذَلِكَ لِيَسْقُطَ دَيْنُ رَبِّ السَّلَمِ عَنْهُ بِأَدَائِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى ثُمَّ قَالَ: فِي هَذَا الْكِتَابِ فَمَا رَبِحَ يَطِيبُ لِلْكَفِيلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَفِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ قَالَ: لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ وَوَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ إنَّمَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ وَيَمْلِكُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ طَعَامَ السَّلَمِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ وَصَارَ هَذَا كَالْمَقْبُوضِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ الرِّبْحُ فِيهِ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ شَرْعًا وَالسَّبِيلُ فِي الْكَسْبِ الْخَبِيثِ التَّصَدُّقُ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَعْنَى الْخُبْثِ لَيْسَ فِي مَعْنَى السَّبَبِ بَلْ لِخَلَلٍ فِي رَضَا الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مَعَ الرِّبْحِ انْعَدَمَ الْخُبْثُ فَكَانَ هَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ إنَّمَا رَبِحَ عَلَى مِلْكِ نَصِيبِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ مِلْكًا صَحِيحًا وَكَانَ التَّصَرُّفُ فِيهِ مُطْلَقًا لَهُ شَرْعًا فَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ بِهِ يَكُونُ حَلَالًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَدَّى طَعَامَ السَّلَمِ كَانَ الرِّبْحُ طَيِّبًا لَهُ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ الرُّجُوعِ لِلْمُسْلِمِ إلَيْهِ عَلَى الْكَفِيلِ يَكُنْ فِي ذِمَّتِهِ وَبَانَ لِحَقِّهِ دَيْنٌ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ خُبْثٌ فِيمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْكَسْبِ كَمَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ بِسَبَبٍ آخَرَ هَذَا إذَا قَبَضَهُ الْكَفِيلُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ فَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ طَعَامَ السَّلَمِ لِيَكُونَ رَسُولَهُ فِي تَبْلِيغِهِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ فَتَصَرَّفَ فِيهِ وَرَبِحَ فَالرِّبْحُ لَا يَطِيبُ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيَطِيبُ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ كَالْمُودَعِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِي الْمُودَعِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ قَضَى الْكَفِيلُ السَّلَمَ مِنْ مَالِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ثُمَّ صَالَحَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ عَلَى عُرُوضٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَكُونُ اسْتِبْدَالًا لِأَنَّ الْكَفِيلَ هُنَا مُقْرِضٌ مَعْنَاهُ أَنَّ مَا يَرْجِعُ بِهِ الْكَفِيلُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ مُسْلَمًا فِيهِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَا يَجِبُ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَوُجُوبُ هَذَا بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ الْكَفَالَةُ تُوجِبُ طَعَامَ السَّلَمِ عَلَى الْكَفِيلِ لَا لِلْكَفِيلِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَلَمْ يَكُنْ اسْتِبْدَالًا وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُقْرِضِ لِمَا أَدَّى مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرْضًا عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَوْ أَجَّلَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فِيهِ لَزِمَهُ الْأَجَلُ وَالْأَجَلُ فِي بَدَلِ الْقَرْضِ لَا يَلْزَمُ فَعَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ سِوَى السَّلَمِ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ أَكْفَلَ رَجُلٌ لِرَبِّ السَّلَمِ بِرَأْسِ مَالِهِ قَبْلَ أَنْ يُتَرَادَّا فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَقِيلَ الْإِقَالَةُ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ لِرَبِّ السَّلَمِ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَا رَأْسُ الْمَالِ وَإِنَّمَا كَفَلَ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَهُ وَلَمْ يُضِفْ الْكَفَالَةَ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إذَا تَقَايَلْتُمَا الْعَقْدَ فَأَنَا كَفِيلُ بِرَأْسِ الْمَالِ لَكَ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ حَقُّ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِنَّمَا كَفَلَ عَنْهُ بِمَا هُوَ حَقُّهُ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِ الْكَفَالَةِ فِي شَيْءٍ.قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ فِي بَعْضِ الْأَدْهَانِ الْمُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ وَالزِّئْبَقِ وَالْحِنَّا وَغَيْرَهُ يَجُوزُ) لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطٌ بِالْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنْ قَالَ: هَذَا يَجُوزُ فِي الدُّهْنِ الصَّافِي أَمَّا الْمُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ وَغَيْرِهِ فَلَا لِأَنَّ الْمُرَبَّى يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يُرَى بِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالرَّيَاحِينِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إعْلَامُهُ بِإِعْلَامِ قَدْرِ مَا يُؤَدَّى بِهِ.قَالَ: (وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ كَيْلُ الرِّطْلِ فَهُوَ مَوْزُونٌ يُرِيدُ بِهِ الْأَدْهَانَ وَنَحْوَهَا) لِأَنَّ الرِّطْلَ إنَّمَا يَعْدِلُ بِالْوَزْنِ إلَّا أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَزْنُ الدُّهْنِ بِالْأَمْنَاءِ وَالسَّنَجَاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَسَّكُ إلَّا فِي وِعَاءٍ وَفِي وَزْنٍ كُلُّ وِعَاءٍ نَوْعُ حَرَجٍ فَاتُّخِذَ الرِّطْلُ لِذَلِكَ تَيْسِيرًا فَعَرَفْنَا أَنَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ كَيْلُ الرِّطْلُ فَهُوَ مَوْزُونٌ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ بِذِكْرِ الْوَزْنِ وَإِذَا أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ إلَى النَّصْرَانِيِّ فِي خَمْرٍ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ وَالْعَصِيرِ فِي حَقِّنَا فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِذِكْرِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ خَمْرِ السَّلَمِ بَطَلَ السَّلَمُ وَرَدَّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَجَدَ الْخَمْرَ مَمْلُوكَةً بِالْعَقْدِ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ فَيَجْعَلُ وُجُودَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْقَبْضِ كَوُجُودِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَهَذَا لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْضُ تَمَلُّكٍ فَإِنَّهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ مِلْكُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ السَّلَمِ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ فَالْمُسْلِمُ لَا يَمْلِكُ الْخَمْرَ بِحُكْمِ عَقَدِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ مِنْ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ تَحَقَّقَ فَوَاتُ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَمَتَى تَحَقَّقَ فَوَاتُ قَبْضِ الْمَبِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَهُ بَطَلَ مَا بَقِيَ وَجَازَ مَا قَبَضَ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَمَّ فِي الْمَقْبُوضِ فَبِإِسْلَامِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَبْطُلُ وَلَكِنَّ إسْلَامَهُ يَمْنَعُ مِنْ قَبْضِ مَا بَقِيَ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ الطَّارِئَ يُلَاقِي الْمُنْتَهِي بِالْعَفْوِ عَنْهُ وَالْقَائِمَ بِالرَّدِّ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فَبِنُزُولِ حُكْمِ الرِّبَا إنَّمَا لَزِمَهُمْ تَرْكُ مَا لَمْ يَقْبِضُوا لَا رَدُّ مَا قَبَضُوا مِنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ ثُمَّ النَّصْرَانِيُّ وَالْمُسْلِمُ فِي حُكْمِ السَّلَمِ سَوَاءٌ مَا خَلَا الْخَمْرَ حَتَّى لَا يَجُوزَ السَّلَمُ بَيْنَهُمْ فِي الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّ فَسَادَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِعَجْزِ الْعَاقِدِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَمُ بَيْنَهُمْ فِي الْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ بِمَنْزِلَةِ السَّلَمِ فِي الشَّاةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ امْتِنَاعَ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ لِمَعْنَى الْجَهَالَةِ وَهُمْ يَسْتَوُونَ فِي ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِذَا أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ جَيِّدٍ مِنْ طَعَامِ الْعِرَاقِ أَوْ الشَّامِ فَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ أَوْ قَرَاحٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ بِآفَةِ فَأَمَّا طَعَامُ وِلَايَةٍ كَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ عُرْفًا بِآفَةٍ فَإِنَّمَا أَسْلَمَ فِيمَا هُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ.وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الصُّوفِ وَزْنًا لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ اشْتَرَى كَذَا جَزَّةً بِغَيْرِ وَزْنٍ لَمْ يَجُزْ لِلْجَهَالَةِ لِأَنَّ مِقْدَارَ الصُّوفِ فِي كُلِّ جَزَّةٍ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ عَلَى وَجْهٍ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَسْلَمَ فِي صُوفِ غَنَمٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ ذَلِكَ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ بِالْهَلَاكِ وَلِأَنَّ تَعَيُّنَ مَحِلِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَتَعَيُّنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الصُّوفَ الَّذِي عَلَى ظَهَرِ الشَّاةِ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ فِيهِ وَكَذَلِكَ أَلْبَانُهَا وَسُمُونُهَا لَمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ مَا دَامَتْ مُتَّصِلَةً بِالْحَيَوَانِ فَهِيَ وَصْفٌ لِلْحَيَوَانِ وَلَا تَثْبُتُ فِيهَا الْمَالِيَّةُ مَقْصُودًا إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلَا تَكُونُ قَابِلَةً لِلْعَقْدِ مَقْصُودًا وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ فِي سَمْنٍ حَدِيثٍ أَوْ زَيْتٍ حَدِيثٍ فِي غَيْرِ حِينِهِ وَجَعَلَ أَجَلَهُ فِي حِينِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ فِي الْحَالِ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ الْحَدِيثَةِ لِأَنَّهَا الْيَوْمَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَا يُدْرَى أَيَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَمْ لَا فَلَا يَكُونُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ لَهُ وَبِدُونِ قُدْرَةِ التَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ مِنْ حِنْطَةِ هَرَاةَ خَاصَّةً وَهِيَ تَنْقَطِعُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ قَرَاحٍ بِعَيْنِهِ قِيلَ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا هَرَاةَ خُرَاسَانَ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ قَرْيَةٌ مِنْ الْعِرَاقِ تُسَمَّى هَرَاةَ وَتِلْكَ الْقَرْيَةُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يُصِيبَهَا آفَةٌ فَأَمَّا هَرَاةُ خُرَاسَانَ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ طَعَامِهَا فَهُوَ وَالسَّلَمُ فِي طَعَامِ الْعِرَاقِ سَوَاءٌ.ثُمَّ قَالَ: (وَإِنْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ فَلَا بَأْسَ بِهِ) مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ يَقُولُ لِأَنَّ الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ بِخِلَافِ الطَّعَامِ فَالْمُرَادُ قَدْ يَسْتَأْصِلُ طَعَامَ هَرَاةَ وَلَا يَسْتَأْصِلُ حَرَكَةَ هَرَاةَ وَهَذَا ضَعِيفٌ قَالُوا قَدْ يَسْتَأْصِلُ حَرَكَةَ هَرَاةَ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْمَعْنَى الصَّحِيحَ فِي الْفَرْقِ أَنَّ نِسْبَةَ الثَّوْبِ إلَى هَرَاةَ لِبَيَانِ جِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا لِتَعَيُّنِ الْمَكَانِ فَإِنَّ الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ مَا يُنْسَجُ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ فَسَوَاءٌ نُسِجَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ بِهَرَاةَ أَوْ بِغَيْرِ هَرَاةَ يُسَمَّى هَرَوِيًّا بِمَنْزِلَةِ الزِّنْدِيجِيِّ وَالْوَذَارِيِّ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: الثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ مِنْ الثِّيَابِ بِمَنْزِلَةِ الْحِنْطَةِ مِنْ الْحُبُوبِ يَعْنِي بِهَذَا بَيَانَ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّ حِنْطَةَ هَرَاةَ مَا تَنْبُتُ بِأَرْضِ هَرَاةَ حَتَّى أَنَّ النَّابِتَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يُنْسَبُ إلَى هَرَاةَ وَإِنْ كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَكَانَ هَذَا تَعْيِينًا مِنْهُ لِلْمَكَانِ وَلِذَلِكَ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ وَقَالَ: مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنَّ نَسَبَ الطَّعَامِ إلَى مَوْضِعٍ يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ بَيَانُ الصِّفَةِ فَذَلِكَ لَا يُفْسِدُ السَّلَمَ كَالْحُمْرَانِيِّ سَحَارِيٍّ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ لِبَيَانِ صِفَةِ جَوْدَةِ الْحِنْطَةِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ مَا يَثْبُتُ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: فِي حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ لَا يَصْنَعُ بِغَيْرِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ يُصْنَعُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَعَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَنْسُوجِ بِصِفَةِ فَيُسَمَّى بِهِ وَإِنْ نُسِجَ فِي غَيْرِ هَرَاةَ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْبَوَادِي وَالْحَصِيرِ إذَا وُصِفَ الطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالصِّفَةُ) لِأَنَّهُ مَذْرُوعٌ مَعْلُومٌ كَالثِّيَابِ فَالْحَصِيرُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبَرْدِيِّ وَالْحَشِيشِ وَالْبُورِيَا مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْقَصَبِ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي نَصْلِ السَّيْفِ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالصِّفَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ بَعْدَ بَيَانِ نَوْعِ الْحَدِيدِ الْأَشْيَاءِ يَسِيرًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٌ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالْجَيِّدِ مِنْ الطَّعَامِ وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي الطَّلْعِ وَهُوَ اسْمٌ لِأَوَّلِ مَا يَبْدُو مِنْ النَّخِيلِ قِيلَ هُوَ شَيْءٌ أَحْمَرُ مِثْلُ لِسَانِ الْبَقَرِ يَبْدُو مِنْ النَّخْلِ ثُمَّ يَخْرُجُ التَّمْرُ مِنْهُ وَقَدْ يُقْطَعُ ذَلِكَ فَيُؤْكَلُ كَمَا هُوَ أَوْ يُطْبَخُ مِنْهُ الْمَرَقَةُ لِحُمُوضَةٍ فِيهِ وَهُوَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ يَخْتَلِفُ فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَتَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَذَلِكَ قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ لِلشَّرِيكَيْنِ قِسْمَةُ السَّلَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ قَبْلَ الْقَبْضِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِلْحِيَازَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نُصِيبَهُ فِي حَيِّزِهِ وَفِي الدَّيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ ثُمَّ الْقِسْمَةُ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ وَقَطْعِ الِانْتِفَاعِ عَنْ نَصِيبِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ فِي عَقْدِ السَّلَمِ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَكَانِ كَذَا فَقَالَ: الْمُسْلَمُ إلَيْهِ خُذْهُ فِي مَكَان آخَرَ وَخُذْ مِنِّي الْكُرَّ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَقَبَضَهُ كَانَ قَبْضُهُ جَائِزًا لِأَنَّهُ أَخَذَ حَقَّهُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْكِرَا إلَّا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَقْبُوضَ بِقَبْضِهِ وَإِنَّمَا يَحْمِلُ مِلْكَ نَفْسِهِ وَالْإِنْسَانُ فِي حَمْلِ مِلْكِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى الْغَيْرِ وَإِنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى الْغَيْرِ بِعَمَلٍ يُعْمَلُ لِلْغَيْرِ لَا لِنَفْسِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَ مِنْ الْكِرَا وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِقَبْضِهِ وَإِنْ شَاءَ يَرُدُّهُ حَتَّى يُوفِيَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي شَرَطَ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ الْكِرَا فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ لَا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ وَبِدُونِ رِضَاهُ لَا يَسْقُطُ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِيفَاءِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ فَإِنَّ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ تَمَّ قَبْضُهُ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ الْبَاقِي لَهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ وَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الْمَقْبُوضِ فِي يَدِهِ وَالْخِيَارُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَسْتَوْجِبُ حَقَّ الرُّجُوعِ بِشَيْءٍ عِنْدَ سُقُوطِ خِيَارِهِ قَالَ: (وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُسْلِمَ الْعُرُوضَ فِي تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَلَا فِي تُرَابِ الصَّوَّاغِينَ) لِأَنَّ عَيْنَ التُّرَابِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السَّلَمَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ بِذِكْرِ وَزْنِ التُّرَابِ لَا يَصِيرُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مَعْلُومًا وَقَدْ يَخْلُو بَعْضُ التُّرَابِ مِنْهُ وَقَدْ يَقِلُّ فِيهِ وَقَدْ يَكْثُرُ فَعَرَفْنَا أَنَّمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ فَكَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا لِذَلِكَ.وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسْلِمَ الْحِنْطَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا فِيمَا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ بِالرِّطْلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَا يُكَالُ بِالرِّطْلِ فَهُوَ مَوْزُونٌ وَاسِلَامُ الْمَكِيلِ فِي مَوْزُونٍ هُوَ مَبِيعٌ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي الْبَدَلَيْنِ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ وَهُوَ الْجِنْسِيَّةُ وَالْقَدْرُ الْوَاحِدُ وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ مِمَّا يُكَالُ فَلَا بَأْسَ بِهِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً وَكَذَلِكَ الْمَوْزُونَاتُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَلَا بَأْسَ بِالْبَنَفْسَجِ بِالْحِنَّا وَالزِّئْبَقِ وَالْوَرْدِ رِطْلَيْنِ بِرِطْلٍ فَإِنَّ الْأَدْهَانَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا اتَّحَدَ أَصْلُهُ مِنْهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَفِيمَا اخْتَلَفَ أَصْلُهُ لَهُ قَوْلَانِ لِأَنَّ الِاسْمَ وَالْهَيْئَةَ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ فِيهَا الرَّائِجَةُ وَبِاخْتِلَافِ الرَّائِجَةِ لَا يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ كَالْمُنْتِنِ مِنْ اللَّحْمِ مَعَ غَيْرِ الْمُنْتِنِ وَلَكِنَّا نَقُولُ بِمَا حَلَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الصِّفَةِ اخْتَلَفَ الْأَصْلُ وَالْمَقْصُودُ وَمَنْعُ عَوْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مِثْلِ حَالِ صَاحِبِهِ فَيَخْتَلِفُ الْجِنْسُ كَالثِّيَابِ وَالْوَذَارِيِّ مَعَ الزِّنْدِيجِيِّ جِنْسَانِ مَعَ اتِّحَادِ الْأَصْلِ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَعَلَى هَذَا الزُّبْدُ مَعَ السَّمْنِ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ الْمَطْبُوخُ مَعَ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَالدُّهْنُ الْمُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ مَعَ غَيْرِ الْمُرَبَّى يَجُوزُ بَيْعُ رِطْلٍ مِنْ الْمَطْبُوخِ وَالْمُرَبَّى بِرِطْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَغَيْرِ الْمُرَبَّى لِأَنَّ تِلْكَ الرَّائِجَةَ بِمَنْزِلَةِ زِيَادَةٍ فِي عَيْنِهَا فَكَأَنَّهُ بَاعَ رِطْلًا مِنْ زَيْتٍ وَبَقْلِهِ بِرِطْلَيْنِ مِنْ زَيْتٍ فَيَكُونُ الْمِثْلُ بِالْمِثْلِ وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ الزِّيَادَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: هَذَا إذَا كَانَ الْمَطْبُوخُ يُنْتَقَصُ إذَا ذَهَبَتْ تِلْكَ الرَّائِجَةُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَقَصُ فَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ إلَّا رِطْلًا بِرِطْلٍ بِخِلَافِ الْمُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ مَعَ الْمُرَبَّى بِالْيَاسَمِينِ فَهُنَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصِيرُ مِثْلَ صَاحِبِهِ بِحَالٍ وَهُنَا غَيْرُ الْمَطْبُوخِ مِنْ الزَّيْتِ يُطْبَخُ فَيَكُونُ مِثْلَ الْمَطْبُوخِ فَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ وَعَلَى هَذَا الْأَلْبَانُ فَإِنَّهَا أَجْنَاسٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْكُلُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَبَنُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِاتِّفَاقِ الِاسْمِ وَالْهَيْئَةِ وَتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ وَلَكِنَّا نَقُولُ أُصُولُهَا أَجْنَاسٌ وَاللَّبَنُ يَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَيْنِ كَالْوَلَدِ فَكَانَ اخْتِلَافُ جِنْسِ الْأَصْلِ دَلِيلًا عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَلَا تَقَارُبَ فِي الْمَقْصُودِ أَيْضًا فَإِنَّ مَقْصُودَ الْمَسْلَى يَحْصُلُ بِلَبَنِ الْبَقَرِ دُونَ لَبَنِ الْإِبِلِ حَتَّى إنَّ مَا يَكُونُ أَصْلُهُ جِنْسًا وَاحِدًا كَالْبَقَرِ مَعَ الْجَوَامِيسِ وَالْعِرَابِ مَعَ الْبَخَاتِيِّ وَالْمَعْزِ مَعَ الضَّأْنِ فَلَبَنُهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَدَلِيلُ اتِّحَادِ جِنْسِ الْأَصْلِ تَكْمِيلُ نِصَابِ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ اللُّحُومُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ عِنْدَنَا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يَقُولُ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْهَيْئَةِ هُنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَمْيِيزُ الْبَعْضِ عَنْ الْبَعْضِ بِرُؤْيَةِ الْأَعْيَانِ بِخِلَافِ الْأَدْهَانِ وَالْأَلْبَانِ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقُولُ الْكُلُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّفَاقِ اسْمِ الْعَيْنِ وَهُوَ اللَّحْمُ وَتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا فَإِنَّ كُلَّهَا يَصْلُحُ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ اتِّخَاذُ الْمَرَقَةِ مِنْهَا وَعِنْدَنَا هِيَ أَجْنَاسٌ لِأَنَّ أُصُولَهَا أَجْنَاسٌ حَتَّى لَا يُضَمُّ الْبَعْضُ إلَى الْبَعْضِ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ الْأَسَامِي مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ كَدَقِيقِ الْحِنْطَةِ مَعَ دَقِيقِ الشَّعِيرِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ مَعَ الْمَرْوِيِّ وَكَذَا لَحْمُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْمَقْصُودُ أَيْضًا فَبَعْضُ النَّاسِ يَرْغَبُ فِي بَعْضِ اللُّحُومِ دُونَ الْبَعْضِ فَرُبَّمَا يَنْفَعُهُ الْبَعْضُ وَيَضُرُّهُ الْبَعْضُ وَلَا تَفَاوَتَ فِي الْمَقْصُودِ أَبْلَغَ مِنْ هَذَا وَلَكِنْ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ هِيَ مَوْزُونَةٌ كُلُّهَا فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ نَسِيئَةً وَيَجُوزُ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ لِانْعِدَامِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ.قَالَ: (وَلَا خَيْرَ فِي الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا) لِأَنَّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ شُبْهَةَ الْمُجَانَسَةِ فَإِنَّ عَمَلَ الطَّحْنِ فِي الصُّورَةِ هُوَ تَفْرِيقُ الْأَجْزَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي الْحُكْمِ الدَّقِيقِ غَيْرَ الْحِنْطَةِ وَيُجْعَلُ الدَّقِيقُ حَاصِلًا بِالطَّحْنِ وَلِهَذَا كَانَ لِلْغَاصِبِ إذَا طَحَنَ الْحِنْطَةَ إلَّا أَنَّ الرِّبَا مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَالشُّبْهَةُ فِيهِ تَعْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعِنْدَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمُجَانَسَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ إلَّا مُتَسَاوِيًا فَكَذَلِكَ إذَا وَجَبَتْ شُبْهَةُ الْمُجَانِسَةِ وَلَا يُعْرَفُ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ بَيْنَ الدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ فَالدَّقِيقُ لَا يَصِيرُ حِنْطَةً قَطُّ وَلَكِنَّ الْحِنْطَةَ تُطْحَنُ وَلَا يُدْرَى أَنَّ بَعْدَ الطَّحْنِ يَتَسَاوَيَانِ فِي الْمِكْيَالِ أَمْ لَا فَإِذَا كَانَ بِالتَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ فِي الْحَالِ لَا يُعْلَمُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ الطَّحْنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِآخَرَ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالنُّخَالَةِ وَالنُّخَالَةُ أَجْزَاءُ الْحِنْطَةِ كَالدَّقِيقِ إلَّا أَنَّهُ جُزْءٌ خَشِنٌ وَالدَّقِيقُ جُزْءٌ لَيِّنٌ فَأَمَّا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ عِنْدَنَا كَيْلًا بِكَيْلٍ يَجُوزُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الدَّقِيقَ لَا يَعْتَدِلُ فِي الدُّخُولِ فِي الْكَيْلِ فَإِنَّهُ يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ وَالْكَيْلُ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ مِعْيَارًا شَرْعًا إلَّا فِيمَا يَعْتَدِلُ فِي الْكَيْلِ وَلِهَذَا قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَاقِلَاءِ وَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَالْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ إذَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ فَشَرْطُ جَوَازِ الْبَيْعِ عِنْدَهُ التَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِيمَا لَا يَعْتَدِلُ بِالْكَيْلِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْكَيْلُ فِيمَا هُوَ مَكِيلٌ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ وَالدَّقِيقُ مَكِيلٌ وَمَعْرِفَةُ كَوْنِهِ مَكِيلًا بِالرُّجُوعِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ وَهُمْ يَكِيلُونَ الدَّقِيقَ كَالْحِنْطَةِ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدَّقِيقِ كَيْلًا كَمَا يَجُوزُ فِي الْحِنْطَةِ فَكَانَ الْكَيْلُ فِيهِ مِعْيَارًا شَرْعِيًّا وَمَا يُتَوَهَّم فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ عِنْدَ التَّكَلُّفِ فِي كَيْلِ الدَّقِيقِ يُتَوَهَّمُ فِي الْحِنْطَةِ أَيْضًا ثُمَّ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَوَجَبَ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَسَطِ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّوِيقِ بِالدَّقِيقِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ الْبَيْعُ تَسَاوِيًا أَوْ تَفَاضُلًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّ الِاسْمَ مُخْتَلِفٌ وَالْمَقْصُودَ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِالدَّقِيقِ اتِّحَادَ الْخُبْزِ وَالْعَصَايِدِ وَالْأَطْوِلَةِ مِنْهُ وَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالسَّوِيقِ إنَّمَا يُلَتُّ بِالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَيُؤْكَلُ كَذَلِكَ أَوْ يُضْرَبُ بِالْمَاءِ فَيُشْرَبُ فَكَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَقْصُودِ أَظْهَرَ مِنْ التَّفَاوُتِ فِي الْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ مِنْ الثِّيَابِ وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصِيرُ مِثْلَ صَاحِبِهِ بِحَالٍ فَالسَّوِيقُ لَا يَصِيرُ دَقِيقًا وَالدَّقِيقُ لَا يَصِيرُ سَوِيقًا بِحَالٍ وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يُعْرَفُ بِهَذَا ثُمَّ اتِّحَادُ الْأَصْلِ لَا يَمْنَعُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَعَانِي كَالْأَدْهَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ مُتَسَاوِيًا لَا مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ الدَّقِيقَ قَدْ يَصِيرُ سَوِيقًا بِأَنْ يُرَشَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ ثُمَّ يُقْلَى فَيَصِيرُ سَوِيقًا وَبِبَغْدَادَ يُتَّخَذُ السَّوِيقُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا لِجَوَازِ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ وَلَأَبِي حَنِيفَةَ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ السَّوِيقَ أَجْزَاءُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ وَالدَّقِيقَ أَجْزَاءُ حِنْطَةٍ غَيْرِ مَقْلِيَّةٍ وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ فَكَذَلِكَ بَيْعُ السَّوِيقِ بِالدَّقِيقِ وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّهُمَا إنَّمَا جُعِلَا جِنْسًا وَاحِدًا بَلْ الطَّحْنُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ بَعْدَ الطَّحْنِ فِيهِمَا عَمَلٌ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ وَإِذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَارَ مَالَ الرِّبَا وَهُوَ قَبْلَ الْقَلْيِ وَالطَّحْنِ وَبِتَسَاوِيهِمَا كَيْلًا فِي الْحَالِ لَا تَظْهَرُ تِلْكَ الْمُمَاثَلَةُ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَرِبَا الْفَضْلِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمُجَانَسَةِ وَلَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ صُورَةً فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ وَاَلَّذِي فِي ضِمْنِ الْحِنْطَةِ دَقِيقٌ فَتَثْبُتُ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ السَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ بَعْدَ الطَّحْنِ كَمَا تَثْبُتُ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ السَّوِيقِ وَالْحِنْطَةِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ قَبْلَ الطَّحْنِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ رِبًا وَبَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ رِبًا وَمَنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسًا لِلْحِنْطَةِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا جِنْسًا لِلْآخِرِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الِاسْمُ لِلصَّنْعَةِ لَا اسْمِ الْعَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْزَاءٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِيمَا كَانَ لَهُ لَتُّ الْحِنْطَةِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ فَاتَ بَعْضُ الْمَقَاصِدِ فِي السَّوِيقِ وَبِهِ لَا يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ وَالْعِلْكَةِ مَعَ الرَّخْوَةِ وَاَلَّتِي أَكَلَهَا السُّوسُ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَاِتِّخَاذُ الْهَرِيسَةِ وَالْكُشْكِ مِنْهَا وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ فَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ مَعَ السَّوِيقِ وَلَا خَيْرَ فِي الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُونِ أَقَلُّ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ تَارَةً وَبِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ أُخْرَى فَفِيمَا وُجِدَتْ الْمُجَانَسَةُ عَيْنًا لَا تُعْتَبَرُ فِي الضِّمْنِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ قَفِيزِ حِنْطَةٍ عِلْكَةٍ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ أَكَلَهَا السُّوسُ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا فِي الضِّمْنِ وَفِي الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ تُعْتَبَرُ الْمُجَانَسَةُ بِمَا فِي الضِّمْنِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا آخَرَ حُكْمًا ثُمَّ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ صُورَةً فَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُجَانَسَةُ بِمَا فِي الضِّمْنِ وَهُوَ الزَّيْتُ الَّذِي فِي الزَّيْتُونِ وَبَيْعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ أَكْثَرُ مِنْ الْمُنْفَصِلِ فَقَدْ يَتَحَقَّقُ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ مَيْلَهُ لِأَنَّ تُفْلَ الزَّيْتُونِ يَكُونُ فَضْلًا خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْلَمُ كَيْفَ هُوَ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَنَا وَقَالَ: زُفَرُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ جَوَازُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا الْفَسَادُ بِوُجُودِ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَعِنْدَنَا الْفَضْلُ الَّذِي هُوَ يُتَوَهَّمُ الْوُجُودُ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي بَابِ الرِّبَا احْتِيَاطًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ» وَالرِّيبَةُ شُبْهَةُ الرِّبَا وَقَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ كُنَّا نَدَعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ فَإِذَا لَمْ تُعْلَمُ الْمُسَاوَاةُ جُعِلَ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْفَضْلِ احْتِيَاطًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ أَقَلُّ مِنْ الْمُنْفَصِلِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِأَنَّ الْمِثْلَ يَصِيرُ بِإِزَاءِ الْمِثْلِ وَالْبَاقِيَ مِنْ الزَّيْتِ بِإِزَاءِ التُّفْلِ فَلَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْمُقَابَلَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَكَذَلِكَ دُهْنُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَالْعَصِيرُ بِالْعِنَبِ وَاللَّبَنُ بِالسَّمْنِ وَالرُّطَبُ بِالدُّبْسِ وَلَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَسِيئَةً لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ.وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْخَمْرِ بِخَلِّ السُّكَّرِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ فَإِنَّ أَصْلَهُمَا جِنْسَانِ لِأَنَّ السُّكَّرَ مَاءُ التَّمْرِ وَالْخَمْرِ بِالْعِنَبِ وَكَمَا أَنَّ الْعِنَبَ مَعَ التَّمْرِ جِنْسَانِ فَكَذَلِكَ الْخَلُّ الْمُتَّخَذُ مِنْهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ نَسِيئَةً لِأَنَّهُ جَمِيعُهَا قَدْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً بِصُوفٍ وَعَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ أَوْ شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اللَّبَنَ الْمُنْفَصِلَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الضَّرْعِ وَأَنَّ الصُّوفَ الْمَجْزُوزَ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الشَّاةِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ وَجَعَلَهُ نَظِيرَ بَيْعِ لَحْمِ الشَّاةِ بِالشَّاةِ فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الشَّاةِ بِالشَّاةِ الْحَيَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اللَّحْمَ الْمُنْفَصِلَ أَكْثَرُ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الشَّاةِ فَيَكُونُ الْمِثْلُ بِالْمِثْلِ وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ الْمَسْقَطِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الشَّاةِ وَاللَّحْمِ ثَابِتَةٌ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ كَمَا فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّحْمَ مَوْجُودٌ فِي الشَّاةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَبِهِ تَخْتَلِفُ الْمَالِيَّةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاةَ فِي الْغَنِيمَةِ مِنْ جُمْلَةِ الطَّعَامِ يُبَاحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ تَنَاوُلُهُ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ اللَّحْمِ بَلْ وُجُودُ اللَّحْمِ فِي الشَّاةِ أَبَيْنُ وَأَظْهَرُ مِنْ وُجُودِ الدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَادِثٌ بِالْعَصِيرِ حُكْمًا وَلِهَذَا كَانَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَاللَّحْمُ لَا يَحْدُثُ بِالذَّبْحِ وَلِهَذَا لَوْ غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا لَمْ يَكُنْ اللَّحْمُ لَهُ وَالذَّبْحُ نُقْصَانٌ مَحْضٌ بِمَنْزِلَةِ الْقَطْعِ فِي الثَّوْبِ فَلَا يَحْدُثُ بِهِ اللَّحْمُ وَهُوَ إزْهَاقُ الْحَيَاةِ فَيَفُوتُ بِهِ مَعْنَى النَّسْلِ بِمَنْزِلَةِ الْقَلْيِ فِي الْحِنْطَةِ يُفَوِّتُ مَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ بِاعْتِبَارِهِ مُثْبَتَةً وَإِذَا ثَبُتَ أَنَّ اللَّحْمَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الذَّبْحِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ بَاعَ عَدَدِيًّا مُتَفَاوِتًا بِوَزْنِيٍّ فَيَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ كَمَا لَوْ بَاعَ الثَّوْبَ بِالْقُطْنِ وَبَيَانُهُ الْوَصْفُ أَنَّ الْحَيَوَانَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ بِالشَّاتَيْنِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْمُجَانَسَةَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ إنَّمَا تُطْلَبُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ مُقَدَّرًا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُقَدَّرًا لَا يَشْتَغِلُ بِطَلَبِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَهُمَا وَبِهَذَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُصُولِ وَلَكِنْ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ فَإِنَّ بَيْعَ دُهْنِ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَالْجَوْزِ لَيْسَ بِمُقَدَّرِ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ جَوْزَةٍ بِجَوْزَتَيْنِ وَلَكِنْ نَقُولُ اللَّحْمُ فِي شِرَاءِ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ وَالْإِسَامَةُ لِيَزْدَادَ عَيْنُهَا بِالسِّمَنِ فَأَمَّا اللَّحْمُ آخَرُ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُجَانَسَةُ بِمَا فِي الضِّمْنِ إذَا كَانَ مَقْصُودًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَالِيَّةَ فِي الْحَيَوَانِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّحْمِ فَقَدْ نَرَى فَرَسَيْنِ أَوْ نَجِيبَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ فِي اللَّحْمِ وَيَتَفَاوَتَانِ فِي الْقِيمَةِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَالْبَيْعُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَإِذَا كَانَتْ مَالِيَّةُ الْحَيَوَانِ لَا تُعْرَفُ بِمِقْدَارِ اللَّحْمِ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الذَّبْحِ بِخِلَافِ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَالْمَالِيَّةُ هُنَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مِقْدَارِ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ وَالدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ وَالْجَوْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ نُوَضِّحُهُ أَنَّ اللَّحْمَ فِي الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا حَقِيقَةً فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حُكْمًا حَتَّى لَوْ أَخَذَ بِضْعَةً مِنْ لَحْمِ الْحَيَوَانِ لَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهَا عَرَفْنَا أَنَّ مَقْصُودَ اللَّحْمِ حَاصِلٌ بِالذَّبْحِ حُكْمًا فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَعَلَى هَذَا الْحَرْفِ نَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ الْجَوَابِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا فَإِنَّهُ مَالٌ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْفَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُفَصَّلٌ مِنْ الْحَيَوَانِ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ فَكَانَ الْحَالُ فِيهِمَا قَبْلَ الذَّبْحِ وَبَعْدَ الذَّبْحِ سَوَاءً وَعَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الشَّاةِ لَا تُعْرَفُ بِمَا عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ الصُّوفِ وَلَا بِمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ اللَّبَنِ كَمَا لَا تُعْرَفُ مَالِيَّةُ الْحَيَوَانِ بِمِقْدَارِ اللَّحْمِ فَإِنْ بَاعَ لَحْمَ شَاةٍ بِالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ جَازَ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ أَصْلًا لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» وَرُوِيَ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ وَقَالَ: أَعْطَوْنِي بِهَذَا الْعَنَاقِ قِطْعَةً مِنْ هَذَا اللَّحْمِ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ هَذَا لَا يَصْلُحُ وَلَكِنَّا نَقُولُ هُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَيْفَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ بِالْبَقَرِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً فَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَبِهِ نَقُولُ فَإِنَّ السَّلَمَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَعِيرَ كَانَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ فَكَرِهَ أَبُو بَكْرٍ بَيْعَ لَحْمِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُحِرَ لِيُتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَلِهَذَا قَالَ: لَا يَصْلُحُ وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ كَانَ بَاطِلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُفْسِدَةِ وَذَلِكَ فِي الشَّعِيرِ خَاصَّةً فَإِنَّ صِحَّةَ الْكَيْلِ لَمَّا جَمَعَ الْبَدَلَيْنِ حَرُمَ النَّسَاءُ وَفِي حِصَّةِ الزَّيْتِ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَإِنَّ إسْلَامَ الْمَكِيلِ فِي الْمَوْزُونِ صَحِيحٌ وَثُبُوتَ الْحُكْمِ بِحَسْبِ الْعِلَّةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ فَسَادِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا فَسَادُ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَمُدَبَّرًا وَكَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْعِلَّةُ الْمُفْسِدَةُ لِلْعَقْدِ وُجِدَتْ فِي الْكُلِّ أَمَّا فِي حِصَّةِ الشَّعِيرِ فَظَاهِرٌ وَفِي حِصَّةِ الزَّيْتِ فَقَدْ جُعِلَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الشَّعِيرِ شَرْطًا فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الزَّيْتِ لِأَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَارِطًا عَلَيْهِ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِهَذَا لَوْ قُبِلَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالسَّلَمُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ فِي الشَّعِيرِ لِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ وَاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِي الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ وَاحِدٌ فَإِذَا تَمَكَّنَ فِيهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فَسَدَ الْعَقْدُ كُلُّهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ فَالْعَقْدُ فِي الْمُدَبَّرِ لَيْسَ بِفَاسِدٍ وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْقَاضِي بَيْعَهُ جَازَ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ لِحَقِّ الْمُدَبِّرِ وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِيهِ لَا فِي الْعَقْدِ فَلِهَذَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ فَالْمُفْسِدُ فَوَّتَ الْقَبْضَ وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِي الْهَالِكِ لَا فِي الْعَقْدِ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُذْكَرُ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ فَوَهِيَّةً فِي فَوَهِيَّةٍ وَمَرْوِيَّةٍ لِأَنَّ الْجِنْسَ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ كَالْكَيْلِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا دُونَ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ فِي الْبَعْضِ تَعَدِّي إلَى مَا بَقِيَ فَإِنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْجِنْسِيَّةِ غَيْرُ مَجْمَعٍ عَلَيْهِ وَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسْلِمَ الْفُلُوسَ فِيمَا يُوزَنُ) لِأَنَّ الْفُلُوسَ عَدَدِيَّةٌ مُتَقَارِبَةٌ فَيَجُوزُ إسْلَامُهَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إلَّا الصُّفْرَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إسْلَامُ الْفُلُوسِ فِيهِ لِلْجِنْسِيَّةِ فَالْفُلُوسُ صُفْرٌ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْفُلُوسُ صُفْرًا وَالصُّفْرُ مَوْزُونٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إسْلَامُ الْفُلُوسِ فِي الْمَوْزُونَاتِ قُلْتُ الصُّفْرُ مَوْزُونٌ فِي الْعُرْفِ لَا بِالنَّصِّ وَلَا عُرْفَ فِيهِ فِي الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ بِتَفَاوُتِ الْوَزْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ سَيْفًا فِي شَيْءٍ مِمَّا يُوزَنُ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ السَّيْفَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا عَادَةً إلَّا فِي الْحَدِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إسْلَامُ السَّيْفِ فِي الْحَدِيدِ لِلْمُجَانَسَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ إنَاءٍ خَرَجَ بِالصَّنْعَةِ مِنْ الْوَزْنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسْلِمَهُ فِي الْمَوْزُونَاتِ إلَّا فِي نَوْعِهِ.وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ إنَاءً مَصُوغًا بِإِنَاءٍ مَصُوغٍ مِنْ نَوْعِهِ يَدًا بِيَدٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْوَزْنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْإِنَاءُ لَا يُبَاعُ وَزْنًا لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ كَالثِّيَابِ وَهَذَا بِخِلَافِ أَوَانِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهَا رِبَا الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ وَزْنًا فِي الْعَادَةِ لِأَنَّ صِفَةَ الْوَزْنِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِالصَّنْعَةِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالْعَادَةِ وَالْعَادَةُ لَا تُعَارِضُ النَّصَّ فَأَمَّا فِي الْحَدِيدِ وَالشَّبَهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ صِفَةُ الْوَزْنِ ثَابِتَةٌ فِي الْعُرْفِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالصَّنْعَةِ وَبِالْعُرْفِ وَبِتَعَارُفِ النَّاسِ بِيعَ الْمَصُوغُ مِنْهُ عَدَدًا فَأَمَّا بَيْعُ فَلْسٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ أَمْثَالٌ مُتَسَاوِيَةٌ قَطْعًا لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى سُقُوطِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ فِيهَا لِيَكُونَ أَحَدُ الْفَلْسَيْنِ فَضْلًا خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ مَشْرُوطًا فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ هُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ وَإِنْ بَاعَ فَلْسًا بِعَيْنِهِ بِفَلْسٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ أَجَازَ أَمْسَكَ الْفَلْسَ الْمُعَيَّنَ وَطَالَبَهُ بِفَلْسَيْنِ آخَرَيْنِ أَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ الْفَلْسَ الْمُعَيَّنَ ثُمَّ قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ مَعَ فَلْسٍ آخَرَ لِاسْتِحْقَاقِهِ فَلْسَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَكُونُ الْفَلْسُ الْآخَرُ فَضْلًا خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ فَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا بِفَلْسٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي الْفَلْسَيْنِ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ أَحَدَهُمَا فَكَانَ مَا اسْتَوْجَبَ فِي ذِمَّتِهِ فَيَبْقَى الْآخَرُ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَأَمَّا إذَا بَاعَ فَلْسًا بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهَذَأ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْفُلُوسَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَا دَامَتْ رَائِجَةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا حَتَّى لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ ثَمَنٌ وَالْأَثْمَانُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ بِالتَّعْيِينِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ قُوبِلَتْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ مُعَيَّنَةٍ شَيْئًا فَهَلَكَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَوْ اشْتَرَى بِهَا جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا لِأَنَّ مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَالْجِنْسُ وَغَيْرُ الْجِنْسِ فِيهِ سَوَاءٌ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَمَا لَا تَتَعَيَّنُ فَالْجِنْسُ وَغَيْرُ الْجِنْسِ فِيهِ سَوَاءٌ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُمَا يَقُولَانِ الْفُلُوسُ عَدَدِيٌّ وَالْعَدَدِيُّ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْوَاحِدِ مِنْهُ بِالْمُثَنَّى كَمَا لَوْ بَاعَ جَوْزَةً بِجَوْزَتَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ صِفَةَ الثَّمَنِيَّةِ فِي الْفُلُوسِ لَيْسَتْ بِصِفَةٍ لَازِمَةٍ وَلَا هُوَ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ بَلْ يُعَارِضُ اصْطِلَاحَ النَّاسِ وَالْعَاقِدُ إنْ قَصَدَ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ إلَّا بِأَنْ تَتَعَيَّنَ الْفُلُوسُ وَتَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ رَائِجَةً ثَمَنًا فِي حَقِّهِمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا أَعْرَضَا عَنْ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ.وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الثَّمَنِيَّةِ فِي الْفُلُوسِ بِالِاصْطِلَاحِ أَنَّهُ يَصْلُحُ ثَمَنُ الْخَسِيسِ مِنْ الْأَشْيَاءِ دُونَ النَّفِيسِ وَأَنَّهُ يُرَوِّجُ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ دُونَ الْبَعْضِ وَيَرُوجُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ الْبَعْضِ بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنْ قِيلَ تَحْتَ هَذَا الْكَلَامِ فَسَادٌ فَإِنَّهُ خَرَجَ فِي حَقِّهِمَا مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا كَانَ هَذَا بَيْعُ قِطْعَةِ صُفْرٍ بِقِطْعَتَيْنِ مِنْ صُفْرٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قُلْنَا الِاصْطِلَاحُ فِي الْفُلُوسِ عَلَى صِفَةِ الثَّمَنِيَّةِ وَالْعَدَدِ فِيهِمَا فِي هَذِهِ الْمُبَايَعَةِ إعْرَاضًا عَنْ اعْتِبَارِ صِفَةِ الثَّمَنِيَّةِ فِيهَا وَمَا أَعْرَضَ عَنْ اعْتِبَارِ صِفَةِ الْعَدَدِ فِيهَا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ خُرُوجِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ ثَمَنًا فِي حَقِّهِمَا خُرُوجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ عَدَدِيَّةً كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ فَهُوَ عَدَدِيٌّ وَلَيْسَ بِثَمَنٍ فَهَذَا بِاتِّفَاقِهِمَا يَصِيرُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ شُقَّةَ خَزٍّ بِشُقَّةِ خَزٍّ هِيَ أَكْثَرُ مِنْهَا وَزْنًا) لِأَنَّهَا لَا تُوزَنُ وَإِنَّمَا تُذْرَعُ كَسَائِرِ الثِّيَابِ وَبَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ يَدًا بِيَدٍ يَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالتَّمْرِ بِالرُّطَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَإِنْ كَانَ الرُّطَبُ يَنْقُصُ إذَا جَفَّ) وَهَذِهِ مَسَائِلُ (أَحَدُهُمَا) بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ كَيْلًا بِكَيْلٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ الْبَاقِلَّا وَعَلَّلَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: لِأَنَّ بَيْنَ الْبَاقِلَّتَيْنِ فَضَاءً وَمُتَّسَعًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَعْتَدِلُ فِي الدُّخُولِ فِي الْكَيْلِ حَتَّى لَا يَنْضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بَلْ يَتَجَافَى وَيَتَفَاوَتُ مِقْدَارُ التَّجَافِي فِيهِ فَلَا يَكُونُ الْكَيْلُ فِيهِ مِعْيَارًا شَرْعِيًّا وَالْمُخَلِّصُ عَنْ الرِّبَا يَكُونُ بِالتَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَقَاسَ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ فَإِنَّ الْمَقْلِيَّةَ لَا تَعْتَدِلُ فِي الدُّخُولِ فِي الْكَيْلِ لِانْتِفَاخٍ يَحْدُثُ فِيهَا بِالْقَلْيِ أَوْ صُخُورٍ فَإِنَّهَا إذَا قُلِيَتْ رَطْبَةً انْتَفَخَتْ وَإِذَا قُلِيَتْ يَابِسَةً ضَمُرَتْ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ» وَالتَّمْرُ اسْمٌ لِلثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ النَّخْلِ مِنْ حِينِ يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا صُورَتُهَا إلَى أَنْ تُدْرَكَ فَكَانَ الرُّطَبُ تَمْرًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَائِلِ وَمَا الْعَيْشُ إلَّا نَوْمَةٌ وَشَرْقٌ وَتَمْرٌ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ وَمَاءٌ وَالْمُرَادُ الرُّطَبُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الرُّطَبَ أَمْثَالٌ مُتَسَاوِيَةٌ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ الرِّبَا فِيهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الرِّبَا لَا يَثْبُتُ فِي الْمَالِ مَا لَمْ يَصِرْ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً وَإِنَّمَا صَارَتْ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً بِصِفَةِ الْكَيْلِ فَكَانَ الْكَيْلُ فِيهَا عِيَارًا شَرْعِيًّا وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يُرَاعِي وُجُودَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَارَ مَالُ الرِّبَا كَمَا فِي الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ فَارَقَ الْمَقْلُوَّةَ فَإِنَّ الْحِنْطَةَ لَا تُخْلَقُ كَذَلِكَ بَلْ تَكُونُ فِي الْأَصْلِ غَيْرَ مَقْلُوَّةٍ وَتَصِيرُ مَالُ الرِّبَا بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَتُرَاعَى تِلْكَ الْمُمَاثَلَةُ وَبَعْدَ الْقَلْيِ لَا تُعْرَفُ تِلْكَ الْمُمَاثَلَةُ وَإِنْ تُسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَلَا بِالْمَقْلِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا فَاسِدٌ فَقَدْ جَوَّزْتُمْ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ بِالْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَالرُّطُوبَةُ صِفَةٌ حَادِثَةٌ بِصُنْعِ الْعِبَادِ كَالْقَلْيِ (قُلْنَا) الْحِنْطَةُ فِي الْأَصْلِ تُخْلَقُ رَطْبَةً وَيَكُونُ مَالُ الرِّبَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِذَا بُلْتَ بِالْمَاءِ عَادَتْ إلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُمَاثَلَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَارَتْ مَالَ الرِّبَا جَازَ الْعَقْدُ وَهِيَ لَا تُخْلَقُ فِي الْأَصْلِ مَقْلُوَّةً حَتَّى يَكُونَ هَذَا إعَادَةً إلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فِيهَا فَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ: عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَا إذًا» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا» ثُمَّ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْعَقْدِ الْمُمَاثَلَةُ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْجَفَافِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْكَيْلِ فِي الْحَالِ فَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ صَحِيحٌ كَمَا فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَتَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الطَّحْنِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ جَمَعَ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ وَالْآخِرُ لَيْسَ عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ وَلَا يَتَمَاثَلَانِ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الصِّفَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَالرَّدَاءَةُ مِنْ نَوْعِ الْعَيْبِ وَالرُّطُوبَةُ فِي الرُّطَبِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَإِنَّ الْعَيْبَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ فَأَمَّا مَا لَا يَخْلُو عَنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ لَا يَكُونُ عَيْبًا كَالصَّغِيرِ فِي الْآدَمِيِّ وَانْعِدَامُ الْعَقْلِ بِسَبَبِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَدِيثُ مَعَ الْعِتْقِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ هُنَاكَ عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ ثُمَّ الْحَدِيثُ إذَا عَتَقَ لَا يَظْهَرُ فِيهِ التَّفَاوُتُ إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَذَلِكَ عَفْوًا كَالتُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ وَدَخَلَ أَبُو حَنِيفَةَ بَغْدَادَ فَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانُوا أَشَدَّ يَدًا عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ فَقَالَ: الرُّطَبُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا أَوْ لَيْسَ بِتَمْرٍ فَإِنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرًا جَازَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» فَأُورِدَ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ: مَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ وَزَيْدُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ وَاسْتَحْسَنَ مِنْهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذَا الطَّعْنَ حَتَّى قَالَ: ابْنُ الْمُبَارَكِ كَيْفَ يُقَالُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ وَهُوَ يَقُولُ زَيْدُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْمُنَاظَرَةِ يَحْسُنُ لِدَفْعِ شَغَبِ الْخَصْمِ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ بِهَذَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَا قِسْمًا ثَالِثًا كَمَا فِي الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ لِأَبِي حَنِيفَةَ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ كَيْلٌ بِكَيْلٍ» وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِلثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ النَّخِيلِ حِينَ تَنْعَقِدُ صُورَتُهَا إلَى أَنْ تُدْرِكَ وَمَا يَتَرَدَّدُ عَلَيْهَا مِنْ الْأَوْصَافِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ لَا يُوجِبُ تَبَدُّلَ اسْمِ الْعَيْنِ كَالْآدَمِيِّ يَكُونُ صَبِيًّا ثُمَّ شَابًّا ثُمَّ كَهْلًا ثُمَّ شَيْخًا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكُلَّ تَمْرٌ يُرَاعَى وُجُودُ الْمُمَاثَلَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُمَاثَلَةِ سَبَبُ الْمُقَابَلَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَمَا كَانَ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ إلَّا نَظِيرَ الْأَجْوَدِ فَكَمَا لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي هَذَا وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَيْلِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ الَّتِي فِي الرُّطَبِ مَقْصُودَةٌ وَهِيَ شَاغِلَةٌ لِلْكَيْلِ فَلَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِهَا بِالْجَفَافِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ التَّفَاوُتَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ فَإِنَّ بِالطَّحْنِ تَتَفَرَّقُ الْأَجْزَاءُ وَلَا يَفُوتُ جُزْءٌ شَاغِلٌ لِلْكَيْلِ فَتَبَيَّنَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الطَّحْنِ أَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَكَذَا الْمَقْلِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ فَإِنَّ بِالْقَلْيِ لَا يَفُوتُ جُزْءٌ شَاغِلٌ لِلْكَيْلِ إنَّمَا تَنْعَدِمُ اللَّطَافَةُ الَّتِي كَانَتْ بِهَا الْحِنْطَةُ مُنْبِتَةً وَلَمَّا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَعْدَ الْقَلْيِ عَرَفْنَا أَنَّ هَذَا التَّفَاوُتَ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ التَّفَاوُتِ فِي الْجَوْدَةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ وَاعْتُبِرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ حَتَّى شَرْطَ الْيَدِ بِالْيَدِ، وَصِفَةُ الْجَوْدَةِ لَا تَكُونُ حَادِثَةً بِصُنْعِ الْعِبَادِ وَالتَّقَاوَةُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ حَادِثٌ بِصُنْعِ الْعِبَادِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا إنَّ كُلَّ تَفَاوُتٍ يَنْبَنِي عَلَى صُنْعِ الْعِبَادِ فَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَفِي الْمَقْلُوَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ وَالْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَكُلُّ تَفَاوُتٍ يَنْبَنِي عَلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْعِبَادِ فَهُوَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا كَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ قَالَ: (وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ).فَأَمَّا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ أَوْ الرَّطْبَة بِالْيَابِسَةِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ فَأَمَّا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَأَبُو حَنِيفَةَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْكَيْلِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ وَالْمَبْلُولَةِ بَعْد الْجُفُوفِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ الْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَكِنْ تَرَكْتُ الْقِيَاسَ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِلْحَدِيثِ وَالْمَخْصُوصُ مِنْ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْحِنْطَةُ الرَّطْبَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الرُّطَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَالرُّطُوبَةُ فِي الرُّطَبِ مَقْصُودَةٌ وَفِي الْحِنْطَةِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ هُوَ عَيْبٌ فَلِهَذَا أَخَذْتُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ إنْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ أَنَّ الرُّطَبَ إذَا جَفَّ يَنْقُصُ إلَّا أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَلَا يَكُونُ هَذَا التَّصَرُّفُ مُفِيدًا وَكَانَ السَّائِلُ وَصِيًّا لِيَتِيمٍ فَلَمْ يَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مَنْفَعَةً لِلْيَتِيمِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْجُفُوفِ فَمَنَعَ الْوَصِيَّ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْإِشْفَاقِ لَا عَلَى وَجْهِ بَيَانِ فَسَادِ الْعَقْدِ فَأَمَّا الْحِنْطَةُ الْمَبْلُولَةُ بِالْمَبْلُولَةِ تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَا قُلْنَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَذَلِكَ الزَّبِيبُ الْمُنْقِعُ بِالْمُنْقِعِ وَالتَّمْرُ الْمُنْقِعُ بِالْمُنْقِعِ وَمُحَمَّدٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ وَبَيْنَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ فَيَقُولُ هُنَاكَ التَّفَاوُتُ يَظْهَرُ بَعْدَ خُرُوجِ الْبَدَلَيْنِ عَنْ الِاسْمِ الَّذِي عُقِدَ بِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَفَاوُتًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْفُصُولُ تُظْهِرُ التَّفَاوُتَ بَعْدَ الْجُفُوفِ مَعَ بَقَاءِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الِاسْمِ الَّذِي عُقِدَ بِهِ الْعَقْدُ فَبِهَذَا الْحَرْفِ يَتَّضِحُ مَذْهَبُهُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ ثُمَّ ذَكَرَ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْحُكْمَ فِيهِ وَأَهْلُ الْأَدَبِ طَعَنُوا عَلَيْهِ فِي هَذَا اللَّفْظِ فَقَالُوا إنَّمَا يُقَالُ حِنْطَةٌ مَقْلُوَّةٌ فَأَمَّا الْمَقْلِيَّةُ الْمُبْغَضَةُ يُقَالُ قَلَاهُ يَقْلِيهِ إذَا أَبْغَضَهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ مُحَمَّدٌ كَانَ فَصِيحًا فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنَّهُ رَأَى اسْتِعْمَالَ الْعَوَامّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْحِنْطَةِ وَمَقْصُودُهُ بَيَانُ الْأَحْكَامِ لَهُمْ فَاسْتَعْمَلَ فِيهِ اللُّغَةَ الَّتِي هِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَهُمْ وَمَا كَانَ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الْفَرْقُ وَلَا يَجُوزُ الْحِنْطَةُ بِالسَّوِيقِ مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحِنْطَةُ أَكْثَرَ وَمَعَ السَّوِيقِ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ فَيَكُونُ مَا مَعَهُ بِفَضْلِ الْحِنْطَةِ لِأَنَّ الصِّحَّةَ مَقْصُودُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَمَتَى أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِمَا بِطَرِيقٍ جَائِزٍ شَرْعًا يَحْمِلُ مُطْلَقَ كَلَامِهِمَا عَلَيْهِ وَيَجْعَلُ كَأَنَّهُمَا صَرَّحَا بِذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَنْصَرِفُ تَسْمِيَةُ النِّصْفِ مُطْلَقًا إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِرَجُلٍ أَوْصَيْتُ لَكَ بِثُلُثَيْ يَجُوزُ وَيُحْمَلُ عَلَى إيجَابِ ثُلُثِ الْمَالِ لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّهُ مَقْصُودُهُ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ فَمِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ سُوءًا وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا».وَلَوْ أَسْلَمَ ثَوْبًا فَوْهِيًّا فِي ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ وَيَجْعَلُ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَضْلُ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعٍ جَازَ لِأَنَّ مَا يَخُصُّ الدَّرَاهِمَ أَوْ الْمَتَاعَ مِنْ الثَّوْبِ الْفَوْهِيِّ يَكُونُ مَبِيعًا وَمَا يَخُصُّ الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ مِنْهُ يَكُونُ رَأْسَ الْمَالِ وَإِسْلَامُ الْفَوْهِيِّ فِي الْمَرْوِيِّ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا فِي حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ فَجَعَلَ بَعْضَهُ عَاجِلًا وَبَعْضَهُ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ مَا يَخُصُّ الْعَاجِلَ مِنْهُ إنْ كَانَ بِعَيْنِهِ فَهُوَ مُتَقَابِضَةٌ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَكَانَ مَوْصُوفًا فَهُوَ ثَمَنٌ وَمَا يَخُصُّ الْأَجَلَ فَهُوَ بَيْعُ الثَّوْبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَهَذَا لِأَنَّ الثَّوْبَ مَبِيعٌ وَالْمَكِيلُ إذَا كَانَ بِعَيْنِهِ يَكُونُ مَبِيعًا وَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَمَا يُقَابِلُهُ مَبِيعٌ فَهُوَ ثَمَنٌ وَالْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْوَصْفِ وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا فَوْهِيًّا فِي ثَوْبٍ فَوْهِيٍّ بِنَسِيئَةٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ بَيْعًا مُقَابَضَةً فَإِنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ سَلَمًا لِأَنَّ الْبَدَلَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ قَرْضًا فَإِنَّ اسْتِقْرَاضَ الثَّوْبِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ زَادَ فِيهِ دِرْهَمًا مَعَ الثَّوْبِ الَّذِي عَجَّلَ أَوْ زَادَهُ الْآخَرُ مَعَ ثَوْبِهِ دِرْهَمًا عَاجِلًا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ أَوْ آجِلًا كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَيْعٌ يُقْصَدُ بِهَا إخْرَاجُ الْعَيْنِ مِنْ الْعَقْدِ وَإِدْخَالُ الرُّخَصِ فِيهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الْأَصْلِ هُنَا فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْبَيْعِ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْحُكْمَ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ الْأَصْلِ لَمْ يَكُنْ بَيْعًا وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ دَنَانِيرَ أَوْ ثَوْبًا يَهُودِيًّا أَوْ كُرَّ حِنْطَةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْأَصْلِ حِينَ أَوْجَبَهُ بِاسْمِ الزِّيَادَةِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا وَإِنْ أَسْلَمَ طَعَامًا فِي شَيْءٍ مِمَّا يُوزَنُ وَزَادَ مَعَ ذَلِكَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ ثَوْبًا عَاجِلًا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْأَصْلِ الْمُؤَاجَلَةِ بِمُقَابَلَةِ بَعْضِهِ يَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةً هُنَا فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي الزِّيَادَةِ أَيْضًا وَإِنْ جَعَلَهُ مُؤَجَّلًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فَالزِّيَادَةُ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ ثَوْبًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُوزَنُ عَاجِلًا فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ جَعَلَهُ مُؤَجَّلًا فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا إذَا كَانَ مَعْلُومًا فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَيْنٌ فَلَا يَخُصُّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يَكُونُ عَقْدُ السَّلَمِ فِيهِ صَحِيحًا وَمَا يَخُصُّ الزِّيَادَةَ يَكُونُ بَيْعًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا فَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ زَادَ كُرًّا آخَرَ أَوْ نِصْفَ كُرٍّ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الزِّيَادَةِ ثَمَنًا وَجَعْلُ الدَّرَاهِمِ مَبِيعًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ زِيَادَةً فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ جُوِّزَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى الزِّيَادَةِ بَلْ حَاجَتُهُ إلَى زِيَادَةِ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا جَرَمَ الزِّيَادَةُ فِي رَأْسِ الْمَالِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ جَائِزَةٌ فِي الْمَجْلِسِ قَالَ: (وَإِنْ أَسْلَمَ طَعَامًا فِي ثِيَابٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْ فِي أَشْيَاءَ مِنْ الْوَزْنِيَّاتِ مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يُسَمِّ رَأْسَ مَالِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا فَهُوَ فَاسِدٌ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اشْتِرَاطِ إعْلَامِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ.وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الشَّاةَ الْحَيَّةَ بِالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ عَدَدِيٌّ فَوْرِيٌّ فَالشَّاةُ الْحَيَّةُ لَا تُوزَنُ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً لِأَنَّ النَّسِيئَةِ إنْ كَانَتْ فِي الشَّاةِ الْحَيَّةِ فَهُوَ سَلَمٌ فِي الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ فَهُوَ سَلَمٌ فِي اللَّحْمِ وَلَوْ كَانَتَا شَاتَيْنِ مَذْبُوحَتَيْنِ قَدْ سُلِخَتَا اشْتَرَاهُمَا رَجُلٌ بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَيْضًا لِأَنَّ الْمِثْلَ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ بِمُقَابَلَةٍ مِنْ الشَّاتَيْنِ وَالْبَاقِي مِنْ لَحْمِ الشَّاتَيْنِ بِإِزَاءِ الْجِلْدِ وَالسَّقَطِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِهِمَا عَلَيْهِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمَا وَلَوْ كَانَتْ الشَّاةُ لَيْسَ مَعَهَا جِلْدٌ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا لِأَنَّ الْعَقْدَ اشْتَمَلَ عَلَى اللَّحْمِ فَقَطْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاللَّحْمُ مَوْزُونٌ فَإِذَا وُجِدَتْ الْجِنْسِيَّةُ وَالْوَزْنُ حَرُمَ التَّفَاضُلُ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِثَلَاثَةِ أَكْرَارِ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ يَدًا بِيَدٍ) فَتَكُونُ حِنْطَةُ هَذَا بِشَعِيرِ هَذَا وَشَعِيرُ هَذَا بِحِنْطَةِ هَذَا عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ مُدَّ عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ أَوْ بَاعَ دِينَارًا وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَدِينَارَيْنِ فَأَمَّا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا جَيِّدًا وَدِرْهَمًا زَيِّفًا بِدِرْهَمَيْنِ جَيِّدِينَ يَجُوزُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ دِينَارًا نَيْسَابُورِيًّا أَوْ دِينَارًا هَرَوِيًّا بِدِينَارَيْنِ نَيْسَابُورِيِّينَ أَوْ هَرَوِيَّيْنِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فَإِنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْجَوْدَةِ قِيمَةٌ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا فَإِنَّمَا يَنْقَسِمُ الدِّرْهَمَانِ الْجَيِّدَانِ عَلَى الْجَيِّدِ وَالزَّيِّفِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَيُصِيبُ الْجَيِّدُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَالزَّيِّفُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ وَذَلِكَ رِبًا وَعِنْدَنَا لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا فَالْمُقَابَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَيَجُوزُ الْعَقْدُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ» وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ».وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَوَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى اشْتَمَلَ عَلَى أَعْوَاضٍ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ يَنْقَسِمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا بِجَارِيَةٍ وَحِمَارٍ وَهَذَا لِأَنَّ الِانْقِسَامَ يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يَعْتَدِلُ فِيهِ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَالَ بَقَاءِ الْعَقْدِ وَحَالَ انْفِسَاخِهِ فِي الْبَعْضِ يُعَارِضُ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الِانْقِسَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَأَمَّا فِي صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ يَتَضَرَّرُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ فِي الْبَعْضِ بِعَارِضٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ قَفِيزَ تَمْرٍ بِقَفِيزَيْ تَمْرٍ لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْعَلُ التَّمْرُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِمُقَابَلَةِ النَّوَى مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَلَوْ بَاعَ مَنًّا مِنْ لَحْمٍ بِنَوَى لَحْمٍ لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْعَلُ اللَّحْمُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِمُقَابَلَةِ الْعَظْمِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ حَتَّى يَجُوزَ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ وَتَصْحِيحُ الْعَقْدِ هُنَا يُمْكِنُ بِأَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ الثَّانِي مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ الْآخَرِ وَمَعَ ذَلِكَ اُعْتُبِرَ الِانْقِسَامُ بِالْقِيمَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ يُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى الْجِنْسِ لَا إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ ثَوْبًا وَعَشَرَةً بِثَوْبٍ وَعَشَرَةٍ بِشَرْطِ قَبْضِ الدَّرَاهِمِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ صَرْفًا فِي حَقِّ الدَّرَاهِمِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» وَقَدْ اشْتَمَلَ الْعَقْدُ هُنَا عَلَى نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْعَقْدُ كَيْفَ شَاءَ الْمُتَعَاقِدَانِ وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ تَحْصِيلَ مَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُمْكِنٌ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ صَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الِانْقِسَامَ فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بَلْ لِلْمُعَاوَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ إذْ لَيْسَ صَرْفُ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَصِيرُ الِانْقِسَامُ وَالتَّوْزِيعُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِلْمُعَاوَضَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا لِأَنَّهُ لَوْ صَرَفَ الْجِنْسَ إلَى الْجِنْسِ فَسَدَ الْعَقْدُ وَلَوْ صَرَفَ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَا مُعَاوَضَةَ بَيْنَ الْجَائِزِ وَالْفَاسِدِ الْجَائِزُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَالْفَاسِدُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ حَرَامٌ بِوَصْفِهِ فَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَاةِ لَا يُصَارُ إلَى الِانْقِسَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَلَكِنْ يَتَرَجَّحُ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى مَا هُوَ مَشْرُوعٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بِخِلَافِ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ فَالتَّمْرُ وَالنَّوَى كُلُّهُ مَكِيلٌ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَوْ صَرَّحَ بِصَرْفِ التَّمْرِ إلَى النَّوَى لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ وَكَذَلِكَ الْعَظْمُ مَعَ اللَّحْمِ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ فِيهِ خَلْقُهُ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ التَّصْحِيحِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدَ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدَيْنِ (قُلْنَا) فَصْلُ الْمُعَاوَضَةِ يَتَحَقَّقُ هُنَاكَ لِأَنَّ جِهَاتِ الْجَوَازِ تَكْثُرُ فَإِنَّهُ إنْ جَعَلَ بِمُقَابِلَتِهِ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إنْ جَعَلَ بِمُقَابِلَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلِكَثْرَةِ جِهَاتِ الْجَوَازِ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى الِانْقِسَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهُنَا لَا وَجْهَ لِلْجَوَازِ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ صَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ شَرْطَ الْجَوَازِ هُنَاكَ أَنْ لَا يَكُونَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُمَا وَلَوْ صَرَّحَا بِهَذَا لَمْ يَصِرْ مِقْدَارُ الثَّمَنِ مَعْلُومًا فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ فَإِنْ قِيلَ الْمُعَاوَضَةُ هُنَا تَتَحَقَّقُ أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ الدَّرَاهِمَ بِمُقَابَلَةِ الدِّينَارَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ جَعَلَ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَالنِّصْفَ الْبَاقِي بِمُقَابَلَةٍ الدِّينَارِ وَنِصْفَ دِينَارٍ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ الدِّينَارِ وَالْبَاقِي بِمُقَابَلَةِ دِرْهَمٍ وَنِصْفٍ يَجُوزُ أَيْضًا (قُلْنَا) نَعَمْ وَلَكِنَّ هَذَا بِطَرِيقِ صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَنَحْنُ ادَّعَيْنَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْجَوَازِ هُنَا إلَّا هَذَا الطَّرِيقَ فَكَيْفَ مَا يَشْتَغِلُ بِهِ لَا يَخْرُجُ بِهِ الطَّرِيقُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا وَعَشَرَةً بِثَوْبٍ وَعَشَرَةٍ (قُلْنَا) هُنَاكَ الْعَقْدُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْرِفَ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِي مَجْلِسِ شَرْطِ بَقَاءِ الْعَقْدِ صَحِيحًا لَا شَرْطَ الِانْعِقَادِ صَحِيحًا وَنَحْنُ إنَّمَا صَحَّحْنَا هَذَا التَّصْحِيحَ الْعَقْدُ لَا لِلْبَقَاءِ صَحِيحًا فَلَا يَلْزَمُ قَالَ: (وَإِنْ اشْتَرَى قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِنِصْفِ قَفِيزٍ هُوَ أَجْوَدُ مِنْهُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فَنِصْفُ الْقَفِيزِ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ قَفِيزٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَدْنَى مَا يَكُونُ مَالُ الرِّبَا مِنْ الْحِنْطَةِ نِصْفُ قَفِيزٍ لِمَا بَيَّنَّا إنَّهَا إنَّمَا تَصِيرُ مَالَ الرِّبَا لِكَوْنِهَا مَكِيلًا وَالْمَكِيلُ مَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ بِالْكَيْلِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي نِصْفِ قَفِيزٍ وَلَا يُوجَدُ فِيمَا دُونَهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْكُفُرَّى بِمَا يُنَاسِبُ مِنْ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ الْكُفُرَّى لَيْسَ بِتَمْرٍ وَلَا يُكَالُ أَيْضًا وَلَا خَيْرَ فِيهِ إذَا كَانَ الْكُفُرَّى نَسِيئَةً لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَهُوَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ فَإِنَّ آحَادَهُ تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ، قَالَ: (وَلَا خَيْرَ فِي التَّمْرِ بِالْبُسْرِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ الْبُسْرُ لَمْ يَحْمَرَّ وَلَمْ يَصْفَرَّ) لِأَنَّ الْبُسْرَ تَمْرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِثَمَرَةٍ خَارِجَةٍ مِنْ النَّخْلِ مِنْ حِينَ تَنْعَقِدُ صُورَتُهَا إلَى أَنْ تُدْرَكَ فَأَمَّا فِي الْكُفُرَّى قَبْلَ انْعِقَادِ صُورَةِ التَّمْرِ فَلَا يَكُونُ تَمْرًا وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ صُنُوفِ التَّمْرِ فَلَا خَيْرَ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبْتَاعَ حِنْطَةً مُجَازَفَةً بِحِنْطَةٍ مُجَازَفَةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْقَدْرِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ إذَا صَارَتْ الْأَمْوَالُ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً وَعِنْدَ الْبَيْعِ مُجَازَفَةً لَا تَظْهَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَدْرِ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ قَالَ: (فَإِنْ تَبَايَعَ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ مُجَازَفَةً ثُمَّ كِلْنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عِنْدَنَا) وَقَالَ: زُفَرُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطُ الْجَوَازِ وَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فَجَازَ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ وَهُنَاكَ شَاهِدَانِ يَسْمَعَانِ كَلَامَهُمَا وَالْمُتَعَاقِدَانِ لَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِجَوَازِ الْعَقْدِ الْعِلْمُ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ كَانَ الْفَضْلُ مَعْدُومًا مَوْهُومًا وَمَا هُوَ مَوْهُومُ الْوُجُودِ يُجْعَلُ كَالْمُتَحَقِّقِ فِيمَا بَنَى أَمَرَهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْعُقُوبَاتِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِأَنَّ بَابَ الرِّبَا مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَالْفَضْلُ الْمَوْهُومُ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ وَزْنًا بِوَزْنِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مَكِيلَةٌ فَشَرْطُ الْجَوَازِ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ فِي الْكَيْلِ وَبِالْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ لَا تُعْلَمُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْكَيْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْإِعْلَامُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةً فِي التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ يُحَصَّلُ بِذِكْرِ الْوَزْنِ كَمَا يُحَصَّلُ بِذِكْرِ الْكَيْلِ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَبَيَّنُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ عِلَّةِ الرِّبَا عَلَى مَنْ عَلَّلَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِأَنَّ لِلْجَوْدَةِ مِنْ الْحَفْنَةِ فِيمَا عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا لِأَنَّ سُقُوطَ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْمَالِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْمُمَاثَلَةُ بِالْمِعْيَارِ وَلَا مِعْيَارَ لِلْحَفْنَةِ بِخِلَافِ الْقَفِيزِ فَزِدْ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ مَسْأَلَةَ الْغَصْبِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ مِنْ الْحَفْنَةِ أَيْضًا حَتَّى إذَا غَصَبَ حَفْنَةً مِنْ حِنْطَةٍ وَذَهَبَتْ جَوْدَتُهَا عِنْدَهُ فَاسْتَرَدَّهَا صَاحِبُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ النُّقْصَانَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ مِنْهَا لِأَنَّهَا مَوْزُونَةٌ لَا لِأَنَّهَا مَكِيلَةٌ وَكَمَا أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَيْلِ يُسْقِطُ قِيمَةَ الْجَوْدَةِ فَكَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْوَزْنِ فِي الْحِنْطَةِ فِي حُكْمِ الرِّبَا حَيْثُ نَصَّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ كَيْلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ كَيْلٌ بِكَيْلٍ» فَلِذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْجَوْدَةِ مِنْ الْحَفْنَةِ قِيمَةً فِي الْغَصْبِ كَمَا جَوَّزْنَا السَّلَمَ فِي الْحِنْطَةِ بِذِكْرِ الْوَزْنِ قَالَ: (وَلَا خَيْرَ فِي شِرَاءِ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا أَوْ مُجَازَفَةً عِنْدَنَا) وَقَالَ: الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ شِرَاءُ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ عَلَى الْأَرْضِ خَرْصًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَهُ فِي مِقْدَارِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَوْلَانِ وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» وَهِيَ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَرَايَةِ الَّتِي رَخَّصَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُلْنَا قَوْلَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمَّا سُئِلَ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ قَالَ: إنَّ الرُّطَبَ لَيَأْتِينَا وَلَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِينَا بَعْدُ مَا نَبْتَاعُهُ بِهِ وَعِنْدَنَا فَضَالَاتٌ مِنْ التَّمْرِ فَرَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبْتَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فَنَأْكُلُ مَعَ الْيَابِسِ الرُّطَبَ وَلِأَنَّ مَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْكَيْلُ فَأَقَامَ الشَّرْعُ الْخَرْصَ فِيهَا مَقَامَ الْكَيْلِ لِلْحَاجَةِ تَيْسِيرًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ وَهَذِهِ الْحَاجَةُ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ وَالتَّفَاوُتُ مَعَ الْخَرْصِ يَنْعَدِمُ أَوْ يَقِلُّ فِي الْقَلِيلِ وَيَكْثُرُ فِي الْكَثِيرِ.وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّفَاوُتِ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ فِي التَّبَرُّعِ أَصْلٌ حَتَّى إنَّ الزِّيَادَةَ تَدْخُلُ فِي الْكَيْلَيْنِ يُجْعَلُ عَفْوًا بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ كَيْلٌ بِكَيْلِ» وَمَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ تَمْرٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ مُتَّفَقٌ عَلَى قَبُولِهِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ» فَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ خَرْصًا وَأَمَّا الْعَرِيَّةُ الَّتِي فِيهَا الرُّخْصَةُ بِقَوْلِهِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا هِيَ الْعَطِيَّةِ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِلْخَرَّاصِينَ حَقِّقُوا فِي الْخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ» وَالْمَخْرُوصُ لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ بِسَبَبِ الْبَيْعِ بَلْ بِسَبَبِ الْعَطَا وَقَالَ: الْقَائِلُ شَاعِرُ الْأَنْصَارِ لَيْسَتْ بِسَنْهَاءٍ وَلَا رَجَبِيَّةٍ وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْحَوَائِجِ وَالِافْتِخَارُ بِالْعَطَاءِ دُونَ الْبَيْعِ وَتَفْسِيرُ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلِهِ مِنْ بُسْتَانِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ يَشُقُّ عَلَى الْمُعْرِي دُخُولُ الْمُعَرَّى لَهُ فِي بُسْتَانِهِ كُلَّ يَوْمٍ لِكَوْنِ أَهْلِهِ فِي الْبُسْتَانِ وَلَا يَرْضَى مِنْ نَفْسِهِ خُلْفَ الْوَعْدِ وَالرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَيُعْطِيَهُ مَكَانَ ذَلِكَ تَمْرًا مَحْدُودًا بِالْخَرْصِ لِيَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ مُخْلِفًا لِلْوَعْدِ وَهَذَا عِنْدَنَا جَائِزٌ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَمْ يَصِرْ مِلْكًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَا دَامَ مُتَّصِلًا بِمِلْكِ الْوَاهِبِ فَمَا يُعْطِيهِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَكُونُ عِوَضًا عَنْهُ بَلْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ بَيْعًا مَجَازًا لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ عِوَضٌ يُعْطِيهِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ خُلْفِ الْوَعْدِ وَاتَّفَقَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى هَذَا فَنَقَلَ كَمَا وَقَعَ عِنْدَهُ وَالْقِيَاسُ مَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ كَانَا عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ وَكَمَا فِي سَائِرِ الْمَكِيلَاتِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الشَّعِيرَ الْمُتَحَصِّلَ بِشَعِيرٍ مِثْلِهِ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ لَمْ يُجْزِئْ كَذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحِنْطَةِ لِمَعْنَيَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ شِرَاءَ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِالدَّرَاهِمِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ مَرْئِيٌّ.(وَالثَّانِي) أَنَّهُ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يُعْرَفْ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ فَضْلِ الْحِنْطَةِ بِحِنْطَةِ مُجَازَفَةً أَوْ كَيْلًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِهِ) لِأَنَّ الْفَضْلَ لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ إنَّمَا هُوَ عَلَفُ الدَّوَابِّ بِمَنْزِلَةِ الْحَشِيشِ ثُمَّ بَيْعُ الزَّرْعِ النَّابِتِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِالنَّقْدِ أَوْ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَخْتَصُّ بِعَيْنِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَالزَّرْعُ فِي أَوَّلِ مَا يَبْدُو قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ لَا يَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا أَمَّا بَعْدَ مَا صَارَ مُنْتَفَعًا بِهِ بِحَيْثُ يَعْمَلُ فِيهِ الْمَنَاجِلُ وَمَشَافِرُ الدَّوَابُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا جَازَ لِأَنَّ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْبَيْعِ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَقِيبَهُ فَهُوَ وَشَرْطُ الْقَطْعِ سَوَاءٌ وَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ التَّرْكِ فِي أَرْضِهِ حَتَّى يُدْرِكَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ التَّرْكِ بَعْضُ الْبَدَلِ فَهُوَ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَهُوَ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْعَقْدِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا ثُمَّ تَرَكَهُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَإِنْ كَانَ التَّرْكُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَالْفَضْلُ طَيِّبٌ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِمَنَافِعِ أَرْضِهِ وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ بِغَيْرِ إذَنْ الْبَائِعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ فَإِنَّهُ غَاصِبٌ لِلْأَرْضِ وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ لِيَتْرُكَ الْفَضْلَ فِيهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ) لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَتِهَا وَالتَّمَكُّنُ هُنَا مَوْجُودٌ لِاشْتِغَالِهَا بِزَرْعِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَصَلَتْ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ إلَى زَرْعِهِ فَصَارَ كَأَنَّ زَرْعَهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَهُوَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ يَتَقَدَّمُ الْإِدْرَاكُ إذَا تَعَجَّلَ الْحَرُّ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ إذَا طَالَ الْبَرْدُ وَيَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ اُسْتُوْفِيَ فِي الْمَنْفَعَةِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سَمَّى لِانْعِدَامِ الْمُقَوَّمِ فِي الزِّيَادَةِ ثُمَّ يُرْفَعُ مِنْ الْغَلَّةِ مَا غَرِمَ فِيهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَتَمَكَّنَ فِيهِ نَوْعٌ خَبِيثٌ.قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَ زَرْعَ الْحِنْطَةِ بَعْدَ مَا أَدْرَكَ بِغَيْرِ الْحِنْطَةِ عِنْدَنَا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَبَيَانُهُ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَهُمَا نَوْعَانِ فَاقْتَسَمَاهُ مُجَازَفَةً فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا أَحَدَ النَّوْعَيْنِ وَالْآخَرُ النَّوْعَ الْآخَرَ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ نَوْعٍ مُجَازَفَةً فَهُوَ جَائِزٌ إذَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ) لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَالْمُعَاوَضَةُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَدًا بِيَدٍ يَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَأْخُذُ نِصْفَ النَّوْعِ الَّذِي أَخَذَهُ بِتَقْدِيمِ مِلْكِهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عِوَضًا عَمَّا تَرَكَهُ لِصَاحِبِهِ مِنْ نَصِيبِهِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ مُجَازَفَةً يَجُوزُ.قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ كَيْلًا وَلَا مُجَازَفَةً بِدَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْغَرَرِ مَا يَكُونُ مَسْتُورَ الْعَاقِبَةِ وَلَا يُدْرَى أَنَّ مَا فِي الضَّرْعِ رِيحٌ أَوْ دَمٌ أَوْ لَبَنٌ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَخْتَصُّ بِعَيْنِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ بِنَفْسِهِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ فِي الْحَيَوَانِ وَلَا يَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِنَفْسِهِ قَبْلَ الْحَلْبِ وَأَوْصَافُ الْحَيَوَانِ لَا تَقْبَلُ الْبَيْعَ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ يَزْدَادُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ لَا يَتَنَاوَلُهَا الْبَيْعُ وَاخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِمَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُهُ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ ثُمَّ تَتَمَكَّنُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا فِي التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَسْتَعْصِي فِي الْحَلْبِ وَالْبَائِعَ يُطَالِبُهُ بِتَرْكِ دَاعِيَةِ اللَّبَنِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ أَوْلَادِهَا فِي بُطُونِهَا لَا يَجُوزُ لِمَعْنَى الْغُرُورِ وَانْعِدَامِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فِيهِ مَقْصُودًا قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَعَجَزَ الْبَائِعُ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَاسْتَدَلَّ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ مِنْهُمْ مِنْ يَرْوِي بِالْكَسْرِ الْحَبَلَةِ فَيَتَنَاوَلُ بَيْعَ الْحَمْلِ وَمِنْهُمْ مِنْ يَرْوِي بِالنَّصْبِ الْحَبَلَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بَيْعُ مَا يَحْمِلُ هَذَا الْحَمْلُ بِأَنْ وَلَدَتْ النَّاقَةُ ثُمَّ حَبِلَتْ وَلَدُهَا فَالْمُرَادُ بَيْعُ حَمْلِ وَلَدِهَا وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَادُونَ ذَلِكَ فَأَبْطَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بِنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَعَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» قِيلَ الْمَضَامِينُ مَا تَتَضَمَّنُهُ الْأَصْلَابُ وَالْمَلَاقِيحُ مَا تَتَضَمَّنُهُ الْأَرْحَامُ وَقِيلَ عَلَى عَكْسِ هَذَا الْمَضَامِينِ مَا تَضُمُّهُ الْأَرْحَامُ وَالْمَلَاقِيحُ مَا تَضُمُّهُ الْأَصْلَابُ وَكَذَلِكَ شِرَاءُ أَصْوَافِهَا عَلَى ظُهُورِهَا لِأَنَّ الصُّوفَ قَبْلَ الْجِزَازِ وَصْفٌ لِلْحَيَوَانِ وَلَيْسَ بِمَالِ مُتَقَوِّمٍ فِي نَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ بَيْنَمَا يَتَمَكَّنُ فِي التَّسْلِيمِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَسْتَعْصِي فِي الْجِزَازِ وَالْبَائِعَ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ لِأَنَّ الصُّوفَ عَيْنُ مَالٍ ظَاهِرٍ وَقَاسَهُ بِبَيْعِ قَوَائِمِ الْخِلَافِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النُّمُوَّ فِي أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ يَكُونُ مِنْ رَأْسِهَا لَا مِنْ أَصْلِهَا فَلَا يَخْتَلِطُ مِلْكُ الْبَائِعِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَأَمَّا النُّمُوُّ فِي الصُّوفِ يَكُونُ مِنْ أَصْلِهِ وَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ فِيمَا إذَا حَصَبَ الصُّوفَ عَلَى ظَهْرِ الشَّاةِ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى نَمَا فَالْمَحْصُوبُ يَكُونُ عَلَى رَأْسِهِ لَا فِي أَصْلِهِ فَيَخْتَلِطُ مِلْكُ الْبَائِعِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِحَيَوَانٍ فَهُوَ وَصْفٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالشَّجَرَةِ فَهُوَ عَيْنُ مَالٍ مَقْصُودٍ مِنْ وَجْهٍ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِذَلِكَ قَالَ: (وَكُلُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ مِنْ الثِّمَارِ عَلَى رَأْسِ الشَّجَرِ بِصِنْفٍ مِنْ غَيْرِهِ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَشِرَاءُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهَا لَا يَجُوزُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَصْلُحُ لَتَنَاوُلِ بَنِي آدَمَ أَوْ عَلَفِ الدَّوَابِّ فَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَإِنْ صَارَ مُنْتَفَعًا بِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بَعْدُ بِأَنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ الْعَاهَةَ وَالْفَسَادَ عَلَيْهِ فَاشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ التَّرْكِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَهُوَ وَشَرْطُ الْقَطْعِ سَوَاءٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا أَوْ قَالَ: حَتَّى يَزْهَى أَوْ قَالَ: حَتَّى تُؤْمَنُ الْعَاهَةُ وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ التَّرْكِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَةَ بِمَا يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ الْمُسْلَمِ وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ هَذَا إذَا اشْتَرَى بِشَرْطِ التَّرْكِ إلَى أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ مَا بَدَا صَلَاحُهَا إلَّا أَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ بَعْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ مُطْلَقًا وَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَقْطَعَهَا فِي الْحَالِ بِمُقْتَضَى مُطْلَقُ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتْرُكُهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ التَّرْكِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ وَمِنْ الشَّرَائِطِ فِي الْعُقُودِ مَا يُجَوِّزُ الْعُرْفُ كَمَا إذَا اشْتَرَى نَعْلًا وَشِرَاكَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ يَحْذُوهَا الْبَائِعُ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنْ كَانَ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ التَّرْكِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَهَذِهِ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهِيَ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَكُلُّ عُرْفٍ وَرَدَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ثُمَّ إنَّ الثِّمَارَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ تَزْدَادُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَحْدُثُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ ضَمَّ الْمَعْدُومَ إلَى الْمَوْجُودِ وَاشْتَرَاهُمَا فَكَانَ بَاطِلًا وَفَصْلُ النَّعْلِ مُسْتَحْسَنٌ مِنْ الْقِيَاسِ وَلَا يَتَمَكَّنُ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ شِرَاءُ الْمَعْدُومِ فَأَمَّا إذَا تَنَاهَى عِظَمُ الثِّمَارِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمْ يَنْضَجْ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ التَّرْكِ فَفِي الْقِيَاسِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا قُلْنَا وَجَوَّزَ مُحَمَّدٌ الْعَقْدَ فِي هَذَا الْفَصْلِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ وَمُدَّةُ التَّرْكِ يَسِيرَةٌ وَقَدْ يَتَحَمَّلُ الْيَسِيرَ فِيمَا لَا يَتَحَمَّلُ فِيهِ الْكَثِيرَ مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ لِلزِّيَادَةِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بَعْدَ هَذَا وَلَكِنَّ الشَّمْسَ تُنْضِجُهُ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَيَأْخُذُ اللَّوْنَ مِنْ الْقَمَرِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَالطَّعْمَ مِنْ الْكَوَاكِبِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا عَمَلُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ فَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ اسْتَحْسَنَ أَنَّ أُجَوِّزَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ فَإِنْ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا ثُمَّ تَرَكَهُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَهُوَ عَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْفَصْلِ إلَّا فِي فَصْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هُنَاكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَجُوزُ وَهُنَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَشْجَارَ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا يَجُوزُ بِحَالٍ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِالدَّرَاهِمِ صَحِيحٌ وَاسْتِئْجَارُ الْأَشْجَارِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ (وَالثَّانِي) أَنَّ هُنَاكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ وَهُنَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ وَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَشْجَارِ لَا يَجُوزُ لَهُ بِحَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا فَاسِدًا أَيْضًا وَبِدُونِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَإِذَا صَارَ الْعَقْدُ لَغْوًا بَقِيَ مُجَرَّدُ الْإِذْنِ وَالتَّرْكُ مَتَى كَانَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَالْفَضْلُ يَطِيبُ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فَصْلًا آخَرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ مَا إذَا صَارَ بَعْضُ الثِّمَارِ مُنْتَفَعًا بِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ الْبَعْضُ بَعْدُ أَوْ لَمْ يَصِرْ مُنْتَفَعًا بِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ الْبَعْضُ أَوْ لَمْ يَصِرْ مُنْتَفَعًا بِهِ كَالتِّينِ وَنَحْوِهِ فَاشْتَرَى الْكُلَّ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ وُجُودُ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فِي شَيْءٍ مِمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ يُجْعَلُ كَوُجُودِهِ فِي الْكُلِّ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ كَمَا أَنَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ يَجْعَلُ وُجُودَ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَوُجُودِ الْكُلِّ فِي حَقِّ جَوَازِ الْعَقْدِ أَوْ يَجْعَلُ مَا خَرَجَ أَصْلًا وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ جُعِلَ تَبَعًا لَهُ فِي حَقِّ جَوَازِ الْعَقْدِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَلَكِنَّا نَقُولُ جَمَعَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ الْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومُ لَا يَقْبَلُ الْبَيْعَ وَحِصَّةُ الْمَوْجُودِ مِنْ الْبَدَلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ وَجَعَلَ الْمَعْدُومَ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا لِلضَّرُورَةِ وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْعَقْدُ بَعْدَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً فَأَمَّا الثِّمَارُ تَقْبَلُ الْعَقْدَ بَعْدَ الْوُجُودِ قَالَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُفْتِي بِجَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ فِي الثِّمَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَكَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: أَجْعَلُ الْمَوْجُودَ أَصْلًا فِي الْعَقْدِ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا قَالَ: أَسْتَحْسِنُ فِيهِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ تَعَامَلُوا بِبَيْعِ ثِمَارِ الْكَرْمِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ عَادَةٌ ظَاهِرَةٌ وَفِي نَزْعِ النَّاسِ عَنْ عَادَتِهِمْ حَرَجٌ بَيِّنٌ قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ رِوَايَةً فِي هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فِي بَيْعِ الْوَرْدِ عَلَى الْأَشْجَارِ فَإِنَّ الْوَرْدَ مَثَلًا حَقٌّ ثُمَّ جَوَّزَ الْبَيْعَ فِي الْكُلِّ مُطْلَقًا بِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ: الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى هَذَا الطَّرِيقِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ أُصُولَهَا حَتَّى يَكُونَ مَا يَحْدُثُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَهُ وَفِي الثِّمَارِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَوْجُودَ الْمُنْتَفَعَ بِهِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ يُؤَخِّرَ الْعَقْدَ فِيمَا بَقِيَ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ الْمَوْجُودَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَحِلُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا يَحْدُثُ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا بِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ: (وَإِنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِطَعَامٍ مِثْلِهِ فَعَجَّلَهُ لَهُ وَتَرَكَ الَّذِي اشْتَرَى وَلَمْ يَقْبِضْ حَتَّى افْتَرَقَا فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا) وَقَالَ: الشَّافِعِيُّ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالتَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ شَرْطٌ عِنْدِي وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ يَدًا بِيَدٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَبْضُ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَفَادَ شَرْطَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَالَ: فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَ ثُمَّ فُهِمَ مِنْهُ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ شَرْطُ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ جَمَعَ بَيْنَ بَدَلَيْنِ لَوْ قُوبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِنْسِهِ عَيْنًا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا فَيُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ كَبَيْعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهَذَا لِأَنَّ بِالِاتِّفَاقِ يَحْرُمُ النَّسَاءُ هُنَا مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَالِيَّةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَجُوزُ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُرْمَةَ النَّسَاءِ لِوُجُوبِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْقَبْضَ حُكْمٌ لِلْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُهُ بِالْعَقْدِ كَالْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ حَالَةِ الْعَقْدِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ نَحْوِهِ وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ وَلَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَرِنُ بِالشَّيْءِ شَرْطُهُ وَالْقَبْضُ فِي كُلِّ بَيْعٍ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ حُكْمَ الْعَقْدِ لَا شَرْطَهُ وَسَاعَاتُ الْمَجْلِسِ إنَّمَا تُجْعَلُ كَحَالَةِ الْعَقْدِ فِيمَا هُوَ شَرْطُ الْعَقْدِ فَأَمَّا فِي الْحُكْمِ مَجْلِسُ الْعَقْدِ وَمَا بَعْدَهُ سَوَاءٌ وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّرْفِ فَالْقَبْضُ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ هُنَاكَ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ لِأَنَّ التَّعَيُّنَ شَرْطُ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ «نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» وَالنُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَكَانَ اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ لِلتَّعْيِينِ وَلَيْسَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِهَذَا شَرَطْنَا الْقَبْضَ فِيهِمَا لِلتَّعَيُّنِ وَفِي بَابِ السَّلَمِ شَرَطْنَا الْقَبْضَ فِي رَأْسِ الْمَالِ لِلتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَلَكِنَّ مَا يُقَابِلُهُ وَهُوَ السَّلَمُ فِيهِ مُؤَجَّلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ ثُمَّ يَرُدُّ عَقْدُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ إلَّا أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى كُلِّ تَاجِرٍ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَعْرِفَةُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فَأَقَامَ الشَّرْعُ اسْمَ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ مُقَامَ عَدَمِ التَّعْيِينِ فِي الْبَدَلَيْنِ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ وَالطَّرِيقَةُ (الثَّانِيَةُ) مَا عَلَّلَ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ: لِأَنَّهُ حَاضِرٌ لَيْسَ لَهُ أَجَلٌ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْحُرْمَةَ بِاعْتِبَارِ فَضْلٍ فِي الْمَالِيَّةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا فَالتُّجَّارُ لَا يَفْصِلُونَ فِي الْمَالِيَّةِ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْمُقَابَلَةِ كَانَ الْعَقْدُ جَائِزًا كَمَا فِي بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَأَمَّا الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ فَقَدْ اخْتَصَّا بِاسْمٍ شَرْعًا وَاخْتِصَاصُهُمَا بِاسْمٍ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِحُكْمٍ يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الِاسْمُ وَهُوَ صَرْفُ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى يَدِ صَاحِبهِ بِالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَلِهَذَا شَرَطْنَا ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالسَّلَمُ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ فَشَرَطْنَا التَّعْجِيلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ بِمُقْتَضَى الِاسْمِ وَقَدْ يُؤْخَذُ حُكْمُ الْعَقْدِ مِنْ اسْمِهِ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالنِّكَاحِ فَأَمَّا هَذَا الْبَيْعُ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ فِي الِاسْمِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَكُونُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِيهِ اسْتِحْقَاقَ التَّسْلِيمِ لَا وُجُوبَ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدًا بِيَدٍ أَيْ عَيْنًا بِعَيْنٍ.لِأَنَّ التَّعْيِينَ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ كَمَا أَنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ بِالْيَدِ فَيَصْلُحُ ذِكْرُ الْيَدِ كِنَايَةً عَنْهُمَا وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْقَبْضُ لَقَالَ: مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ فَلِمَا قَالَ: يَدًا بِيَدٍ عَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَأَمَّا بَيْعُ الْعَبْدِ بِالْعَبْدَيْنِ وَالثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ فَجَائِزٌ بِدُونِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ عَنْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ بِالنَّقْدِ لِأَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَوْ شَرَطَ فِيهِ أَجَلَ يَوْمٍ فِي الْعَيْنِ كَانَ فَاسِدًا لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَقْبَلُ الْأَجَلَ فَالْمَقْصُودُ بِالْأَجَلِ أَنْ يَحْصُلَ فِي الْمُدَّةِ فَيُسْلِمَهُ وَذَلِكَ فِي الْعَيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ وَلِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ فِي اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِي الْعَيْنِ لَا يَدًا بِيَدٍ لَا يَسْقُطُ بِالتَّعَرُّفِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ وَلَكِنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ قُصُورُ يَدِهِ عَنْ الْعَيْنِ إلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ وَجَوَازُ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا لِضَرَرٍ بِغَيْرِهِ قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَى طَعَامًا بِطَعَامٍ مِثْلِهِ وَاشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يُوفِيَهُ طَعَامَهُ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ شَرْطَ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَبِهَذَا الشَّرْطِ مُتَمَكِّنٌ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلٌ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ لِيُوفِيَهُ فِيهِ فَتَنْعَدِمُ بِهِ الْمُسَاوَاةُ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِأَنْ اشْتَرَاهُ خَارِجًا مِنْ الْمِصْرِ وَشَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فِي الْمِصْرِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ بِالْعَقْدِ فِي الْمَوْضُوعِ الَّذِي فِيهِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَالْمُشْتَرِي يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهُوَ عَيْنٌ فَإِذَا اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ الْحَمْلِ عَلَى الْبَائِعِ فَسَدَ بِهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَطْحَنَهُ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الْمِصْرِ وَشَرَطَ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَفِي الْقِيَاسِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هُوَ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ صَارَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَفِي اشْتِرَاطِ تَسْلِيمِهِ فِي مَكَان آخَرَ شَرَطَهُ مَنْفَعَةٌ لَا يَقْبِضُهُ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ بِمُقَابِلَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَهِيَ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَإِلَّا فَهِيَ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ كَانَ الشَّرْطُ بِلَفْظِ الْحَمْلِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَشْتَرِي الْحَطَبَ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَكْتَرِي دَابَّةً أُخْرَى لِتَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ وَلَكِنَّ الْبَائِعَ هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّفُ لِذَلِكَ وَمَا كَانَ مُتَعَارَفًا وَلَيْسَ فِي عَيْنِهِ نَصٌّ يُبْطِلُهُ فَالْقَوْلُ بِجَوَازِهِ وَاجِبٌ لِمَا فِي النَّزْعِ عَنْ الْعَادَةِ مِنْ حَرَجٍ بَيْنَ وَمِثْلِ هَذِهِ الْعَادَةِ لَا تُوجَدُ خَارِجَ الْمِصْرِ بَلْ إذَا اشْتَرَى الْحِنْطَةَ أَوْ الْحَطَبَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّفُ الْحَمْلَ ذَلِكَ يُوَضِّحُهُ أَنَّ نَوَاحِي الْمِصْرَ كَنَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى أَنَّ قِيمَةَ مَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يَخْتَلِفُ فِي نَوَاحِي الْمِصْرِ بِخِلَافِ الْمِصْرِ مَعَ الْقَرْيَةِ فَقِيمَتُهَا فِي الْمِصْرِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا خَارِجَ الْمِصْرِ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّفُ بِالنَّقْلِ ثُمَّ هَذَا الِاسْتِحْسَانُ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي لَفْظِ الْحَمْلِ وَالْإِيفَاءِ سَوَاءٌ وَقَالُوا لَا فَرْقَ خُصُوصًا فِي لِسَانِ الْفَارِسِيَّةِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ يَسَار نَجَاته مِنْ أَوْ بيادخانه مِنْ أَوْ يرد بخانه مِنْ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْفَرْقُ مِنْ قَبْلِ أَنَّ الْإِيفَاءَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ فَالْعَقْدَ يُوجِبُ إيفَاءَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ شَرْطُ الْإِيفَاءِ مُلَائِمًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَمَّا الْحَمْلُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَخْلُو عَنْهُ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَشَرْطُ الْحَمْلِ لَا يُلَائِمُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلِهَذَا أَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ قَالَ: (وَإِنْ اشْتَرَى شَعِيرًا بِصُوفٍ مُتَفَاضِلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالْهَيْئَةِ وَالْمَقْصُودِ وَأَصْلُهُمَا وَإِنْ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَلَكِنْ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْمَعَانِي يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ مَعَ اتِّحَادِ الْأَصْلِ كَالثِّيَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْقُطْنِ وَكَذَلِكَ الْقُطْنُ بِالْكَتَّانِ وَالْمُشَاقَةُ بِالْكَتَّانِ لَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا لَأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: الْمُشَاقَةُ وَالْكَتَّانُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ بِمَنْزِلَةٍ أَنْوَاعِ التَّمْرِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَكَذَلِكَ جِنْسَانِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ مُتَفَاضِلًا وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُسَلِّمَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّ الْكُلَّ مَوْزُونٌ بِثَمَنٍ وَكَذَلِكَ الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ إذَا كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا لَا يَجُوزُ إسْلَامُهُمَا فِي الْمَوْزُونَاتِ أَمَّا أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَجُوزُ إسْلَامُهُمَا فِي الْمَوْزُونَاتِ مِنْ الزَّعْفَرَانِ وَالسُّكَّرِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا يَجُوزُ إسْلَامُ الدَّرَاهِمِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ صِفَةَ الثَّمَنِيَّةِ لَهَا ثَابِتَةٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالصِّفَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مُثَمَّنٌ حَتَّى يَتَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ فِي التَّعْيِينِ فَهَذَا كَالْمُتَّخِذِ مِنْ الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَإِذَا كَانَ شَرْطُ السَّلَمِ طَعَامًا وَسَطًا فَأَعْطَاهُ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ فَرَضِيَ بِهِ جَازَ لِأَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ أَجْوَدَ فَقَدْ أَحْسَنَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ أَعْطَاهُ أَرْدَأَ فَقَدْ أَحْسَنَ الْآخَرُ إلَى أَسِيرِهِ حِينَ رَضِيَ مِنْهُ بِهِ وَأَبْرَأهُ مِنْ صِفَةِ الْجَوْدَةِ حِينَ تَجُوزُ بِدُونِ حَقِّهِ فَجَازَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ فِي حِنْطَةٍ فَقَبَضَهَا رَبُّ السَّلَمِ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَقَدْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فَإِنْ رَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ رَدَّ الْمَقْبُوضَ وَطَالَبَهُ رَبُّ السَّلَمِ بِحَقِّهِ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَرْضَى لَمْ يَرْجِعْ رَبُّ السَّلَمِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْفَائِتَ وَصْفٌ وَلَا قِيمَةَ لِلصِّفَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَجَعَ بِحِصَّةِ نُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ بِقَدْرِ مَا يَرْجِعُ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَطَّ بَعْضَهُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا إذَا رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ إنْ أَبَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ الْمَعِيبَ غَرِمَ رَبُّ السَّلَمِ طَعَامًا قَبْلَ الْمَقْبُوضِ وَرَجَعَ بِحَقِّهِ وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى أَصْلِهِ فِي رَدِّ الْمِثْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ إذَا وَجَدَ الْمَقْبُوضُ زُيُوفًا وَقَدْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَفِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ: (لَوْ قَالَ: لِآخَرَ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ كُرَّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ إلَى أَجَلِ كَذَا بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمِ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَهَا إلَيَّ فِي مَكَانِ كَذَا فَهُوَ سَلَمٌ جَائِزٌ عِنْدَنَا) وَقَالَ: زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَإِنَّمَا الرُّخْصَةُ فِي السَّلَمِ خَاصَّةً فَإِذَا ذُكِرَ لَفْظُ السَّلَمِ جَازَ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ وَإِلَّا فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا كُنَّا نَقُولُ قَدْ أَتَيْنَا بِمَعْنَى السَّلَمِ وَذَكَرَ شَرَائِطَهُ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى دُونَ الْأَلْفَاظِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَلَّكْتُكَ هَذِهِ الْعَيْنَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَبِلَ الْآخَرُ كَانَ بَيْعًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا لَفْظَ الْبَيْعِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ زُفَرَ أَظْهَرُ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَيْعًا ابْتِدَاءً ثُمَّ خَتَمَ الْبَابَ بِفَصْلٍ مِنْ فُصُولِ التَّحَالُفِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَتَحَالَفَانِ لَا فِي الْقَائِمِ وَلَا فِي الْهَالِكِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْمَيِّتِ شَيْئًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ الْقَائِمُ وَقِيمَةُ الْهَالِكِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هَلَاكَ السِّلْعَةِ يَمْنَعُ جَرَيَانِ التَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَمْنَعُ وَبَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ يَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ هَلَاكَ جَمِيعِ السِّلْعَةِ لَا يَمْنَعُ جَرَيَانِ التَّحَالُفِ فَكَذَلِكَ هَلَاكُ الْبَعْضِ ثُمَّ التَّحَالُفِ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي الْقَائِمِ مِنْهُمَا عَلَى الْعَيْنِ مُمْكِنٌ فَرَدَّ الْعَيْنَ وَفِي الْهَالِكِ رَدُّ الْعَيْنِ مُتَعَذَّرٌ فَيَقُومُ رَدُّ الْقِيمَةِ مَقَامَ رَدِّ الْعَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ هَالِكًا عِنْدَهُ وَالْقَوْلُ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ مَعَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَوْ كَانَا قَائِمَيْنِ فُسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَيْنَهُمَا بِالتَّحَالُفِ وَلَوْ كَانَا هَالِكَيْنِ لَمْ يَجُزْ التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ كَمَا فِي الْفَسْخِ بِسَبَبِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ثُمَّ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِي يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُمَا بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ كَمَا يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي وَلَا يُفَضِّلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْيَمِينِ لِأَنَّهُ إذَا فَضَّلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي التَّحَالُفِ يَفُوتُ مَقْصُودُ الْيَمِينِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَالُ كَمَا يَدَّعِيهِ خَصْمُهُ فَلِهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّحَالُفِ فَإِذَا تَحَالَفَا تُرَدُّ الْعَيْنُ مِنْهُمَا ثُمَّ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي فِي حِصَّةِ الْهَالِكِ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهِ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي قِيمَتِهِ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْحَيِّ لِتَوْزِيعِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا تَحْكُمُ قِيمَتُهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ مَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ أَوْ أَقَلَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ مَا يَقُولُهُ الْمُشْتَرِي أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ فَإِذَا حَلَفَا اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ فِي الْحَالُ لِتَوْزِيعِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا بَيَانُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الصَّفْقَةُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَقْصُودُ بِالتَّحَالُفِ هُوَ الْفَسْخُ فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِهَلَاكِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَعَذَّرَ بِهَلَاكِ الْكُلِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا قَائِمَيْنِ لَمْ يَسْتَقِمْ ثُبُوتُ حُكْمِ التَّحَالُفِ وَالْفَسْخِ فِي أَحَدِهِمْ دُونَ الْآخَرِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ الرَّدّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْعَيْبَ مِمَّا لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَإِذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَرَدَّهُ يَكُونُ هَذَا تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ جَهَالَةَ الثَّمَنِ تَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَلَوْ قُلْنَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ رَدُّهُ يَكُونُ الْقَوْلُ فِي الثَّمَنِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي إلَّا إنْ شَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْهَالِكُ كَأَنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ وَكَأَنَّهُ مَا اشْتَرَى إلَّا الْقَائِمَ ثُمَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُمَا بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ لِأَنَّ مِنْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ حَلَفَ مَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ كَانَ صَادِقًا وَكَذَلِكَ مِنْ بَاعَ شَيْئَيْنِ بِأَلْفٍ ثُمَّ حَلَفَ مَا بَاعَ أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةِ كَانَ صَادِقًا فَلِهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّحَالُفِ فَإِذَا تَحَالَفَا رَدَّ الْعَيْنَ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْهَالِكِ مِنْ ثَمَنٍ وَلَا قِيمَةَ لِأَنَّهُ قَدْ أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ حِينَ رَضِيَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|